للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل.

(قلت): يعني ما قاله بعض المفسرين: إنهم عمدوا إلى تلك الحبال، والعصي، فحشوها زئبقًا، فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق، فيخيل إلى الرائي أنها تسعى باختيارها.

قال الرازي: ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات، ويندرج في هذا الباب علم جَرِّ الأثقال بالآلات الخفيفة.

قال: وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من باب السحر؛ لأن لها أسبابًا معلومة يقينية من اطَّلع عليها قدر عليها.

(قلت): ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم، بما يرونهم إياه من الأنوار؛ كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببيت المقدس، وما يحتالون به من إدخال النار خفيةً إلى الكنيسة، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطفة تروج على العوام منهم، وأما الخواص فهم معترفون بذلك، ولكن يتأولون: أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم، فيرون ذلك سائغًا لهم، وفيه شبهة للجهلة الأغبياء من متعبدي الكرّامية، الذين يرون جواز وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب، فيدخلون في عداد من قال رسول الله : "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" (٦٢٦) وقوله: "حدثوا عني ولا تكذبوا علي؛ فإنه من يكذب عليَّ يلج النار" (٦٢٧).

ثم ذكر هاهنا حكاية عن بعض الرهبان، وهو أنه سمع صوت طائر حزين الصوت، ضعيف الحركة، فإذا سمعته الطيور ترقُّ له، فتذهب فتلقي في وكره من ثمر الزيتون ليتبلغ به، فعمد هذا الراهب إلى صنعة طائر على شكله، وتوصّل إلى أن جعله أجوفَ، فإذا دخلته الريح يُسمع له صوتُ كصوت ذلك الطائر، وانقطع في صومعة ابتناها، وزعم أنها على قبر بعض صالحيهم، وعلق ذلك الطائر في مكان منها، فإذا كان زمان الزيتون فتح باب من ناحيته فيدخل الريح إلى داخل هذه الصورة، فيسمع صوتَها كُلُّ طائر في شكله أيضًا، فتأتي الطيور، فتحمل من الزيتون شيئًا كثيرًا، فلا ترى النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة، ولا يدرون ما سببه، ففتنهم


(٦٢٦) - هذا الحديث من الأحاديث المتواترة رواه جمع من الصحابة عن النبي، ، عدَّهم الإِمام الطبراني في جزء له فزادوا على الستين، وانظره في: صحيح البخاري في كتاب العلم، باب: إثم من كذب على النبي، برقم (١٠٧) من حديث الزبير، وحديث (١١٠) من حديث أبي هريرة، ، وفي مقدمة صحيح مسلم برقم ٢، ٣، ٤ - (٢، ٣، ٤) من حديث أنس وأبي هريرة والمغيرة .
(٦٢٧) - رواه البخاري برقم (١٠٦) - دون قوله: "حدثوا عني" - وكذا رواه مسلم في مقدمة صحيحه برقم ١ - (١) كلاهما من حديث علي .