للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال الرازي: فهذه جملة الكلام في أقسام السحر، وشرح أنواعه، وأصنافه.

(قلت): وإنما أدخل كثيرًا من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر، للطافة مداركها؛ لأن السحر في اللغة: عبارة عمَّا لطف وخفي سببه. ولهذا جاء في الحديث: "إن من البيان لسحرًا" (٦٣٠). وسمي السحور لكونه يقع خفيًّا آخر الليل. والسَّحْرُ: الرئة، وهي محل الغذاء، وسميت بذلك؛ لخفائها؛ ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن، وغضونه، كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سَحْرك أي: انتفخت رئته من الخوف. وقالت عائشة : توفي رسول الله بين سحري ونحري (٦٣١). وقال تعالى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾، أي أخفوا عنهم عملهم، والله أعلم.

وقال أبو عبد الله القرطبي: وعندنا أن السحر حق، وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء خلافًا للمعتزلة، وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية، حيث قالوا: إنه تمويه، وتخييل. قال: ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة، والشعوذي: البريد؛ لخفة سيره.

قال ابن فارس: وليست هذه الكلمة من كلام البادية.

قال القرطبي: ومنه ما يكون كلامًا يحفظ، ورقىً من أسماء الله تعالى، وقد يكون من عهود الشياطين، ويكون أدوية، وأدخنة، وغير ذلك. قال: وقوله : "إن من البيان لسحرًا" يحتمل أن يكون مدحًا كما تقوله طائفة، ويحتمل أن يكون ذمًّا للبلاغة قال: وهذا أصح. قال: لأنها تصوب الباطل حتى توهم السامع أنه حق، كما قال : "فلعل بعضكم أن يكون ألحنَ بحجته من بعض فأقضي له" (٦٣٢) الحديث.


(٦٣٠) - صحيح، رواه البخاري من حديث ابن عمر في النكاح، باب الخطبة، حديث ٥١٤٦. وفي الطب باب: وإن من البيان لسحرًا حديث ٥٧٦٧، ورواه الترمذي في البر، باب: ما جاء في أن من البيان سحرًا حديث ٢٠٢٩. ورواه أبو داود في الأدب، باب: المتشدق بالكلام، حديث ٥٠٠٧. ورواه مسلم من حديث عمار في الجمعة برقم ٤٧ - (٨٦٩). وقد رُوي من حديث عبد الله بن عباس، رواه أبو داود حديث ٥٠١١، والترمذي ٢٨٤٥، وابن ماجه ٣٧٥٦. ورواه أبو داود من حديث بريدة بن الحصيب حديث ٥٠١٢.
(٦٣١) - رواه البخاري في المغازي، باب: مرض النبي، ، ووفاته بوقم ٤٤٥١. ورواه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٨٤ - (٢٤٤٣)، وأحمد حديث ٢٤٣٢٧ - (٤٨١٦).
(٦٣٢) - متفق عليه من حديث أم سلمة، رواه البخاري في الشهادات حديث (٢٦٨٠)، وفي الأحكام حديث (٧١٦٥)، وفي الحيل حديث (٦٩٦٧). ورواه مسلم في الأقضية حديث (١٧١٣). وهو عند الترمذي في الأحكام حديث (١٣٣٩)، وعند أبي داود في الأقضية بوقم (٣٥٨٣)، وعند النسائي في أدب القضاة حديث (٥٤٠١). وعند ابن ماجه في الأحكام حديث (٢٣١٧)، وعند أحمد ٢٦٦٠١ - (٦/ ٢٩٠).
وهو عند أحمد من حديث أبي هريرة.