(فصل)
وقد ذكر الوزير أبو المظفر يحيى بن محمَّد بن هبيرة، ﵀، في كتابه (الإشراف على مذاهب الأشراف) بابًا في السحر؛ فقال: أجمعوا على أن السحر له حقيقة إلا أبا حنيفة، فإنه قال: لا حقيقة له عنده.
واختلفوا فيمن يتعلم السحر، ويستعمله، فقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد: يكفر بذلك.
ومن أصحاب أبي حنيفة من قال: إنْ تعلمه ليتقيه، أو ليجتنبه فلا يكفر، ومن تعلمه معتقدًا جوازه، أو أنه ينفعه كفر.
وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر.
وقال الشافعي ﵀: إذا تعلم السحر؛ قلنا له: صف لنا سحرك. فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر، فإن اعتقد إباحته فهو كافر.
قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد [١]: نعم. وقال الشافعي، وأبو حنيفة: لا. فأمَّا إن قتل بسحره إنسانًا فإنه يقتل عند مالك، والشافعي، وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يقتل، حتى يتكرر منه ذلك، أو يقر بذلك في حق شخص معين. وإذا قتل، فإنه يقتل حدًّا عندهم، إلا الشافعي، فإنه قال: يقتل والحالة هذه قصاصًا.
قال: وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد في المشهور عنهم [٢]: لا تقبل. وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: تقبل.
وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة فإنه يقتل، كما يقتل الساحر المسلم.
وقال مالك، [وأحمد والشافعي]: لا يقتل. يعني لقصة لبيد بن الأعصم.
واختلفوا في المسلمة الساحرة، فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل، ولكن تحبس. وقال الثلاثة: حكمها حكم الرجل، والله اُعلم.
وقال أبو بكر الخلال (٦٣٣): أخبرنا أبو بكر المروزي، قال: قُرئ على أبي عبد الله -يعني
(٦٣٣) - عمر بن هارون هو البلخي: قال يحيى بن معين: كذاب خبيث، ورواه أبو بكر الخلال في كتابه" الجامعُ" "أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض" ص ٥٣٢ حديث ١٣٥٦.