للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (٤٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)

يقول تعالى منكرًا على الكفار الذين كانوا في زمن [١] النبي وهم مشاهدون [٢] له، ولما أرسله الله به من الهدى وأيده به من المعجزات الباهرة، ثم هم مع هذا كله فارُّون منه، متفرقون عنه، شاردون [٣] يمينًا وشمالًا، فرقًا فرقًا، وشِيَعًا شيَعًا، كما قال تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾، الآية. وهذه مثلها، فإنه قال تعالى: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾، أي: [فمال هؤلاء] [٤] الكفار الذين عندك يا محمد ﴿مُهْطِعِينَ﴾، أي: مسرعين نافرين منك، كما قال الحسن البصري: ﴿مُهْطِعِينَ﴾، أي: منطلقين، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾، واحدها عِزَةٌ، أي: متفرقين. وهو حال من مهطعين، أي: في حال تفرقهم واختلافهم، كما قال الإِمام أحمد في [٥] أهل الأهواء: فهم مخالفون للكتاب، مختلفون في الكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب.

وقال العوفي: عن ابن عباس: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾، قال: قبلك ينظرون، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾، قال: العزين: العُصَب من الناس، عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به.

وقال ابن جرير (١٩): حدثنا ابن بشار، حدثنا أبو عامر، حدثنا قُرة، عن الحسن في قوله: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾، متفرقين، يأخذون يمينًا وشمالًا يقولون: ما قال هذا الرجل؟. وقال قتادة: ﴿مُهْطِعِينَ﴾: عامدين، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾، أي: فِرَقًا حول النبي لا يرغبون في كتاب الله، ولا في نبيه صلى الله عليه


(١٩) أخرجه الطبري (٢٩/ ٨٥).