للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن عباس ومجاهد، وأبو [١] صالح وعطية، والضحاك والسدي: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيهِ تَبْتِيلًا﴾، أي: أخلص له العبادة.

وقال الحسن: اجتهد وبتل [٢] إليه نفسك.

وقال ابن جرير: قال للعابد: متبتل، ومنه الحديث المروي أنه [٣] نهى عن التبتل (٢١). يعني الانقطاع إلى العبادة، وترك التزوج [٤]. وقوله: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾، أي: هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب، الذي لا إله إلا هو، وكما أفردته بالعبادة [٥] [فأفرده بالتوكل] [٦] ﴿فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾، كما قال في الآية الأخرى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيهِ﴾، وكقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، و [٧] آيات كثيرة في هذا المعنى، فيها الأمر بإفراد العبادة والطاعة لله، وتخصيصه بالتوكل عليه.

﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١) إِنَّ لَدَينَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (١٢) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (١٦) فَكَيفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْولْدَانَ شِيبًا (١٧) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (١٨)

يقول تعالى آمرًا رسوله بالصبر على ما يقوله مَن كذبه مِن سفهاء قومه، وأن يهجرهم هجرًا جميلًا، وهو الذي لا عتاب معه. ثم قال له متوعدًا لكفار قومه ومتهددًا -وهو العظيم الذي لا يقوم لغضبه شيء-: ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ﴾، أي: دعني والمكذبين المترفين أصحاب الأموال، فإنهم أقدر على الطاعة من غيرهم، وهم يطالبون من


(٢١) أخرجه أحمد (٣/ ١٥٨) (١٢٦٣٤) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٤/ ٢٦١): رواه أحمد، والطبراني في الأوسط وإسناده حسن. ا هـ. وصححه ابن حبان (٤٠٢٨).