للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحقوق بما ليس عند غيرهم، ﴿وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا﴾ أي: رويدًا، كما قال: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾؛ ولهذا قال هاهنا: ﴿إِنَّ لَدَينَا أَنْكَالًا﴾، وهي: القيود. قاله ابن عباس، وعكرمة، وطاووس، ومحمد بن كعب، وعبد الله بن بُرَيدة، وأبو عمران الجوني، وأبو مجلز، والضحاك، وحماد بن أبي سليمان، وقتادة، والسدي، وابن المبارك، والثوري، وغير واحد ﴿وَجَحِيمًا﴾، وهي السعير المضطرمة [١]. ﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ﴾: قال ابن عباس: ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج، ﴿وَعَذَابًا أَلِيمًا (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾، أي: تزلزل، ﴿وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا﴾، أي: تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء، ثم إنها تنسف نسفًا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب، حتى تصير الأرض قاعًا صفصفًا، لا ترى فيها عوجًا، أي: واديًا، ولا أمتًا، أي: رابية، ومعناه: لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع.

ثم قال مخاطبًا لكفار قريش - والمراد سائر الناس: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيكُمْ﴾، أي: بأعمالكم، ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا﴾ قال ابن عباس ومجاهد، وقتادة والسدي، والثوري: ﴿أَخْذًا وَبِيلًا﴾، أي: شديدًا. أي: فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول، فيصيبَكم ما أصابَ فرعونَ، حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، كما قال تعالى: ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَال الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾، وأنتم أولى بالهلاك والدمار إن كذبتم؛ لأن رسولكم أشرف وأعظم من موسى بن عمران. ووُروَى عن ابن عباس، ومجاهد.

وقوله: ﴿فَكَيفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْولْدَانَ شِيبًا﴾، يحتمل أن يكون ﴿يَوْمًا﴾ [٢] معمولًا لتتقون، كما حكاه ابن جرير عن قراع وابن مسعود: "فكيف تخافون أيضًا الناس يومًا يجعل الولدان شيبًا إن كفرتم بالله ولم تصدقوا به؟ " ويحتمل أن يكون معمولًا [٣] لكفرتم، فعلى الأول: كيفَ يحصلُ لكم أمان من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم؟ وعلى الثاني: كيف يحصل لكم تقوى إن كفرتم يوم القيامة وجحدتموه؟ وكلاهما معنى حسن، ولكن الأول أولى، والله أعلم.

ومعنى قوله: ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْولْدَانَ شِيبًا﴾ أي: من شدة أهواله وزلازله وبلابله، وذلك حين يقول الله لآدم: ابعَثْ بعثَ النار. فيقول: مِن كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة.

قال الطبراني (٢٢): حدثنا يحيى بن أيوب العلاف، حدثنا سعيد بن أبي مريم [٤]، حدثنا


(٢٢) المعجم الكبير (١١/ ٣٦٦) (١٢٠٣٤). قال الهيثمي في "المجمع" (٧/ ١٣٣): رواه الطبراني =