للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصرعه النبي مرارًا، فلم يؤمن. قال: وقد نَسَب ابن إسحاق خبر المصارعة إلى ركانة بن عبد يزيد بن هاشم [١] بن المطب.

قلت: ولا منافاة بين ما ذكراه، والله أعلم.

﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، أي: إنّما ذكرنا عدتهم أنهم تسعة عشر اختبارًا منّا للناس، ﴿لِيَسْتَيقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾، أي: يعلمون أن هذا الرسول حق؛ فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله.

﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾، أي: إلى إيمانهم، أي: بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد ﴿وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾، أي: من المنافقين ﴿وَالْكَافِرُونَ: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾؟ أي يقولون: ما الحكمة في ذكر هذا هاهنا؟ قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، أي: من مثل هذا وأشباهه يتأكد الإيمان في قلوب أقوام، ويتزلزل عند [٢] آخرين، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.

وقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ﴾، أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى، لئلا يتوهم متوهم أنما هم تسعة عشر فقط، كما قد قاله طائفة من أهل الضلَالة والجهالة من الفلاسفة اليونانيين، ومن تابعهم من الملتين الذين سمعوا هذه الآية، فأرادوا تنزيلها على العقول العشرة والنفوس التسعة، التي اخترعوا دعواها، وعجزوا عن إقامة الدلالة على مقتضاها، فَأفهِمُوا صدر الآية وقد كفروا بآخرها، وهو قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ﴾.

وقد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين وغيرهما (١٦)، عن رسول الله أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة: "فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه آخرَ ما عليهم".

وقال الإمام أحمد (١٧): حدثنا أسود، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي ذر؛ قال: قال رسول الله : "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَت السماء وحُقَّ لها أن تَئِطَ، ما فيها موضع أربع [٣] أصابع إلا عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، ولا تَلَذّذتم بالنساء على


(١٦) تقدم تخريج كل هذه الروايات في أول سورة الإسراء.
(١٧) المسند (٥/ ١٧٣). والترمذي في كتاب: الزهد، باب: في قول النبي : "لو تعلمون ما أعلم =