قال مجاهد وسعيد بن جبير: أما والله ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم الله به من قلوبهم، فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغب.
﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾، أي: إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه، في اليوم العبوس القمطرير. قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿عَبُوسًا﴾: ضيقًا، ﴿قَمْطَرِيرًا﴾: طويلًا. وقال عكرمة وغيره، عنه، في قوله: ﴿يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾، أي [١]: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عَرَق مثل القَطرَان.
وقال مجاهد: ﴿عَبُوسًا﴾، العابس الشفتين ﴿قَمْطَرِيرًا﴾، قال: تقبيض الوجه بالبُسُور.
وقال سعيد بن جبير، وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول، ﴿قَمْطَرِيرًا﴾: تقليص الجيين وما بين العينين، من الهول.
وقال ابن زيد: العبوس: الشر. والقمطرير: الشديد.
وأوضح العبارات وأجلاها وأحلاها، وأعلاها وأولاها - قولُ ابن عباس ﵁.
قال ابن جرير: والقمطرير هو: الشديد؛ يقال: هو يوم قمطرير ويوم قُمَاطِر، ويوم عَصِيب وعَصَبْصَب، وقد اقمطرّ اليومُ يقمطرّ اقمطرارًا، وذلك أشد الأيام وأطولها [٢] في البلاء والشدة، ومنه قول بعضهم.
بَني عَمّنا هل تَذكُرونَ بَلاءَنَا … عَلَيكم إذَا ما كَانَ يَومُ قُمَاطرُ
قال الله تعالى: ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾، وهذا من باب التجانس البليغ، ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ﴾، أي: آمنهم مما خافوا منه، ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً﴾، أي: في وجوههم، ﴿وَسُرُورًا﴾، أي: في قلوبهم. قاله الحسن البصري، وقتادة، وأبو العالية، والربيع بن أنس.
وهذه كقوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه، قال كعب بن مالك في حديثه الطويل: "وكان رسول الله ﷺ إذا سُرّ، استنار وجهه حتى كأنه قطعة [٣] قَمَر] (١٢).
وقالت عائشةُ: "دخل عَلَيّ رسول الله ﷺ مسرورًا تَبرُقُ أسَاريرُ
(١٢) أخرجه البخاري في باب: المناقب، باب: صفة النبي ﷺ حديث (٣٥٥٦) (٦/ ٥٦٥). ومسلم في كتاب: التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، حديث (٥٣/ ٢٧٦٩) (١٧/ ١٤٧).