وقال هاهنا: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾، وهو يجمع الضيق والسفول، كما قال: ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾.
وقوله: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ ليس تفسيرًا لقوله، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾، وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلي سجين، أي: مرقوم مكتوب مفروغ منه، لا يزاد [١] فيه أحد ولا ينقص منه أحد، قاله محمد بن كعب القرظي.
ثم قال: ﴿وَيلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾، أي: إذا صاروا يوم القيامة إلى ما أوعدهم الله من السجن والعذاب المهين. وقد تقدم الكلام على قوله ﴿وَيلٌ﴾ بما أغنى عن إعادته، وأن المراد من ذلك [][٢] الهلاك والدمار، كما يقال: ويل لفلان. وكما جاء في المسند (١٥) والسنن من رواية بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة [٣]، عن أبيه، عن جده؛ قال: قال رسول الله ﷺ: "ويل للذي يحدث فيكذب، ليضحك الناس، ويل له، ويل له".
ثم قال تعالى مفسرًا للمكذبين الفجار الكفرة: ﴿الَّذِينَ [٤] يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾، أي: لا يصدقون بوقوعه، ولا يعتقدون كونه ويستبعدون أمره. قال الله تعالى: ﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾، أي: معتد في أفعاله، من تعاطى الحرام والمجاوزة في تناول المباح والأثيم في أقواله: إن حدث كذب، وإن وعد أخلف، وإن خاصم فجر.
وقوله: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيهِ آيَاتُنَا قَال أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾، أي: إذا سمع كلام الله من الرسول، يكذب به، ويظن به ظن السوء، فيعتقد أنه مفتعل مجموع من كتب الأوائل، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾. وقال: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾.
قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، أي: ليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا، إن هذا القرآن أساطير الأولين، بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله علي رسوله ﷺ، وإنما حجب قلوبهم عن الإِيمان به [٥] ما عليها من الرين الذي قد
(١٥) أخرجه أحمد (٥/ ٣، ٥، ٧) (٢٠٠٧١، ٢٠٠٩٤، ٢٠١٠٣، ٢٠١٢١). وأبو داود في كتاب: الأدب، باب: في التشديد في الكذب، حديث (٤٩٩٠) (٤/ ٢٩٧ - ٢٩٨). والترمذي في كتاب: الزهد، باب: فيمن تكلم بكلمة ليضحك بها الناس، حديث (٢٣١٦) (٧/ ٧٦). والنسائي في الكبرى في كتاب: التفسير، باب: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيرِهِ﴾، حديث (١١١٢٦) (٦/ ٣٢٩). ولم يعزه المزي في تحفة الأشراف (١١٣٨١) إلى ابن ماجة. قال الترمذي: حديث حسن. وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٤١٧٥).