للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق: ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب، ثم خرجوا إلى رءوس الجبال.

وذكر مقاتل بن سليمان أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة، لعل بعض الجيش ينال منها شيئًا بغير حق، فينتقم الله منهم [١].

فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله -وكان اسمه محمودًا [٢]- وعبأ جيشه، فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه وقال: ابرك محمود، أو ارجع راشدًا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام. ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل. وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين، وأدخلوا محاجنهم [٣] في مراقه وبزغوه بها ليقوم، فأبى، فوجهوه راجعًا إلى اليمن فقام يهرول. ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان [٤]، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا تصيب منهم أحدًا إلا هلك، وليس كلهم أصابت. وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق. هذا ونفيل على رأس الجبل مع قريش وعرب الحجاز، ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة، وجعل نفيل يقول:

أينَ المَفَرُّ؟ والإِلهُ الغالِبُ [٥] … والأشْرَمُ المغْلُوبُ غيرُ الغالب

قال ابن إسحاق: وقال نفيل في ذلك أيضًا:

ألا حُيِّيتَ [٦] عنَّا يا رُدَيْنَا … نَعِمْنَاكُمْ مَعَ الإِصباحِ عينا

ردينةُ لو رأيت -ولا تَرَيه … لَدَى جَنْب المحصَّب- مَا رَأينَا

إذًا لَعَذَرتنِي وَحَمِدت أمْري … وَلَم تَأسَي [٧] عَلَى مَا فَات بَينَا

حَمدتُ الله إذ أبصَرتُ طَيرًا … وَخِفْتُ حجارَةً تُلقَى عَلَينا

فَكُلّ القومِ يَسألُ عَن نُفَيلٍ … كَأنّ عليّ للحُبْشَان دَينًا؟

وذكر الواقدي بأسانيده أنهم لما تعبئوا لدخول الحرم وهيئوا الفيل، جعلوا لا يصرفونه إلى جهة من سائر الجهات إلا ذهب، فإذا وجهوه إلى الحرم ربض وصاح. وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه، ليقهر الفيل على دخول الحرم. وطال الفصل في ذلك. هذا وعبد المطلب وجماعة من أشراف مكة، منهم المطعم بن عدي، وعمرو بن عائذ بن عمران بن


[١]- في ت: منه.
[٢]- في ز: محمود.
[٣]- في ز، خ: محاجزتهم.
[٤]- في خ: التلبسان.
[٥]- في ت: الطالب.
[٦]- في خ: جنبت.
[٧]- في ز: يأت. بلا نقط. وفي خ: تأتي.