للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن ابن عمر (٨٦١) أنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله [قد أنزل عليه الليلة قرآن] [١]، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.

وفي هذا دليل على أنّ الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به، وإن تقدم نزوله وإبلاغه؛ لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء، والله أعلم.

ولما وقع هذا حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب، والكفرة من اليهود ارتياب وزيغٌ عن الهدى، وتخبيطٌ وشكٌّ، وقالوا: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ أي: قالوا [٢]: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا، وتارة يستقبلون كذا؟! فأنزل الله جوابهم في قوله: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾. أي: الحكم والتصرف والأمر كله لله: ﴿فَأَيْنَمَا [٣] تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ و ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾. أي: الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره، ولو وجهنا في كل يوم مراتٍ إلى جهات متعدّدة، فنحن عبيده، وفي تصرفه [٤]، وخدّامه، فحيثما وجهنا توجهنا، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمَّد صلوات الله وسلامه عليه وأمّته عنايةٌ عطمة، إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم خليل الرحمن، وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية [٥] على اسمه تعالى، وحده لا شريك له أشرف بيوت الله في [٦] الأرض؛ إذ هي بناء [٧] إبراهيم الخليل ؛ ولهذا قال: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

وقد روى الإمام أحمد (٨٦٢) عن علي بن عاصم، عن حصين [٨] بن عبد الرحمن، عن عُمَر [٩] بن قيس، عن محمَّد بن الأشعث، عن عائشة قالت: قال رسول الله ، يعني: في أهل الكتاب: "إنهم لا يحسدوننا [١٠] على شيء، كما يحسدوننا [١١] على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا


(٨٦١) - رواه البخاري في الصلاة، باب: ما جاء في القبلة برقم (٤٠٣)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة برقم ١٣ - (٥٢٦).
(٨٦٢) - المسند حديث (٢٥١٤١) - (٦/ ١٣٤). وعلي بن عاصم: صدوق يخطئ ويُصر. وعمر بن قيس: صدوق ربما وهم. ومحمد بن الأشعث: مقبول، ووهم من ذكره في الصحابة.