للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكتاب التي أباحها رسول الله حيث قال: "بلغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدًا فليتبوّأ مقعده من النار" (١٤). رواه البخاري عن عبد الله [بن عمرو] [١]؛ ولهذا كان عبد الله بن عمرو [قد أصاب يوم اليرموك] [٢] زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك.

ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذكر للاستشهاد لا للاعتضاد، فإنها على ثلاثة أقسام:

(أحدها) ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد [٣] له بالصدق، فذاك صحيح.

(والثاني) ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.

(والثالث) ما [٤] هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمرٍ ديني.

ولهذا يختلف [٥] علماء أهل الكتاب في [مثل] [٦] هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسرين خلافٌ بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعددهم [٧]، وعصا موسى من أي الشجر [٨] كانت. وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضُرِبَ به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم.

ولكن نقْل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ * وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيبِ * وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إلا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى [٩] عنهم ثلاثة [١٠] أقوال، ضعّف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته،


(١٤) - رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل برقم (٣٤٦١).