للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذ لو كان باطلًا لردّه كما ردّهما [١]، ثم أرشد على أنّ الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال [٢] في مثل هذا: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ فإنه ما يعلم ذلك [٣] إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إلا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب، فهذا أحسن ما يكون في [٤] حكاية الخلاف، أن تستوعب [٥] الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه [٦] على الصحيح منها، وتبطل [٧] الباطل، وتذكر [٨] فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل [٩] به عن الأهم [] [١٠].

فأمَّا من حكى خلافًا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضًا، فإن صحح غير الصحيح عامدًا فقد تعمد الكذب، أو جاهلًا فقد أخطأ، وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالًا متعّددة لفظًا، ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب.

فصل

إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر [١١] فإنه كان آية في التفسير، كما قال محمد بن إسحاق: ثنا أبان بن صالح، عن مجاهد؛ قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها (١٥).

وقال ابن جرير (١٦): حدثنا أبو كريب، حدثنا طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مُليكة؛ قال: رأيت مجاهدًا سأل [ابن عباس] [١٢] عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، قال: فيقول له


(١٥) - تفسير ابن جرير رقم ١٠٨ - (١/ ٩٠).
(١٦) - تفسير ابن جرير رقم ١٠٧ - (١/ ٩٠).