للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحذر بما وقع في زماننا من تشاغل بعض الفقهاء بالفتوى من الكتب الغريبة التي ليست فيها رواية المفتي عن المجتهد بالسند الصحيح، ولا قام مقام ذلك شهرة عظيمة تمنع من التصحيف، والتحريف، وبلغ بعضهم في التساهل حتى صار إذا وجد حاشية في كتاب أفتى بها، وهذا عدم دين، وبعد شديد عن القواعد" (١).

هذا هو المنهج المالكي في تمحيص الكتب واعتمادها، أما الكتب التي بعدت عن هذا المنهج فيصرح المالكية فيها بأنه: "تحرم الفتوى من الكتب الغريبة التي لم تشتهر، حتى تتظافر عليها الخواطر، ويعلم صحة ما فيها، وكذلك الكتب الحديثة التصنيف إذا لم يشتهر عزو ما فيها من النقول إلى الكتب المشهورة، أو يعلم أن مصنفها كان يعتمد هذا النوع من الصحة، وهو موثوق بعدالته" (٢).

وباختيار: لا تنهل الآراء الفقهية إلا من الكتب المعتمدة عند علماء المذهب صحة ووثوقاً بمؤلفيها، وبنسبتها إلى ذلك المؤلف.

بلغ من حرص علماء المالكية على الاعتماد على الكتب الصحيحة الموثوق بها أن الإمام الشاطبي (٣) "كان لا يأخذ الفقه إلا


(١) المشاط، الشيخ حسن محمد، الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة (ص ٢٨٦).
(٢) الإحكام في تمييز الفتاوى (ص ٢٦٢).
(٣) الشاطبي: "أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي ... ، الإمام العلامة .. ، المجتهد، كان أصولياً، مفسراً، فقيهاً، محدثاً، لغوياً، بيانياً، إماماً مطلقاً، بارعاً في العلوم، من أفراد العلماء المحققين، وأكابر الأئمة المفتين، له استنباطات جليلة، ودقائق منيفة، وفوائد لطيفة، وأبحاث شريفة، وقواعد محررة محققة، له كتاب الموافقات، كتاب جليل القدر جداً، لا نظير له، يدل على إمامته (ت سنة ٧٩٠ هـ).
التنبكتي، أحمد بابا، نيل الابتهاج بتطريز الديباج (ص ٤٦ - ٤٩)؛ وانظر: المجاري، أبو عبد الله محمد، برنامج المجاري (ص ١١٦ - ١٢٢)؛ الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الفتاوى، جمع وتحقيق محمد أبو الأجفان، أورد في مقدمة التحقيق بحثاً مستوفياً عن الشاطبي ومصادر ترجمته.

<<  <   >  >>