نبغ العلماء في مذهب مالك، وكثرت مؤلفاتهم، واختلفت ترجيحاتهم، وتفريعاتهم، وتخريجاتهم، وانطبعت بطابع البيئة العلمية التي نشأوا بين أحضانها، والمجتمع الذي عاشوا فيه، فألف علماء العراق، ومصر، والمغرب، والأندلس، وفرَّعوا، ورجحوا، فكان أن زخر المذهب بكثير من المؤلفات المستوعبة للترجيحات، والتفريعات، منها الصحيح المقبول، والضعيف المتروك.
"كان الأصل يقتضي أن لا تجوز الفتيا إلا بما يروه العدل عن العدل عن المجتهد الذي يقلده المفتي؛ حتى يصح ذلك عند المفتي، كما تصح الأحاديث عند المجتهد؛ لأنه نقل لدين الله في الوصفين، وغير هذا كان ينبغي أن يحرم، غير أن الناس توسعوا في هذا العصر فصاروا يفتون من كتب يطالعونها من غير رواية، وهو خطر عظيم في الدين، وخروج عن القواعد"(١).
وقف علماء المالكية موقفاً صارماً من هذا التساهل في اعتماد الآراء والكتب التي يؤخذ منها "مذهب" وصرحوا بأنه "ينبغي أن
(١) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام (ص ٢٦١ - ٢٦٢)؛ ابن فرحون، إبراهيم بن علي، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (١/ ٥٥)، المعيار (١٠/ ٤٢)؛ انظر: عليش، محمد أحمد، فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (١/ ٥٨، ٥٩، ٨٦، ٨٧).