نستفتح بالذي هو خير، حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فنقدم إلى القراء الكرام، في سلسلة "الدراسات الأصولية" هذا البحث القيم الذي تناول مراحل نشأة مذهب الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - وتطوره ثم أخيراً مرحلة استقراره، والجهود العظيمة التي بذلها علماء هذا المذهب على مختلف العصور من عهد تأسيسه ووضع أصوله وقواعده من قبل مؤسسه إلى وقتنا الحاضر.
وهذا البحث ليس مجرد تاريخ وتدوين لحركة مذهب من المذاهب الفقهية في فترة من فترات التاريخ، بل هو دليل مادي على ما قام به علماء الأمة من جهود لبسط مبادئ الشريعة، وفهم أحكامها لحل القضايا والمشكلات التي حدثت في عهودهم. وكان كل مجتهد منهم يمثل مدرسة في صقعه.
ولم يقتصر دورهم على طرح الحلول للقضايا المعاصرة لهم، بل كانوا يستشرفون أزمنة غير زمانهم، فيتصورون ما قد يحدث من قضايا، ثم يعالجونها بروح العصر الذي تحدث فيه.
وهذا التقديم مقرون بالشكر والعرفان لأسرة "آل مكتوم" حفظها الله، التي ترعى العلم، وتشيّد نهضته، وتحيي تراثه، وتؤازر قضايا العروبة والإسلام، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ مكتوب بن راشد بن سعيد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي الذي أنشأ هذه الدار لتكون منار خير، ومنبر حق على درب العلم والمعرفة، تجدد ما اندثر من تراث هذه الأمة، وتبرز محاسن الإسلام، فيما سطره الأوائل وفيما يمتد من ثماره، مما تجود به القرائح، في شتى مجالات