لترجيح المؤلف، حتى تتولد في نفس الطلاب الفقاهة والتمييز بين الأقوال بالدراية والنظر. وما هو إلا أمين جمع وتورع، ومرتبته في التخريج والترجيح تظهر في كتابه التوضيح، فقد أجال النظر، وأعمل الفكر، واستنبط، وخرج، ورجح، واختار، وانتقد، وجعل مختصره هذا واعية وراوية لأقوال العلماء في المذهب، وافياً بجميع أحكامه" (١).
هاتان الحقيقتان العلميتان - أسلوب الاختصار المركز الذي لم يسبق إليه، ومنهج التواضع العلمي بترك باب الاجتهاد الترجيحي مفتوحاً جزئياً ليتبارى من بعده من العلماء والدارسين في إبراز مواهبهم- تفسران الحاجة الملحة إلى التصدير لشرح الكتاب، وتفسيره، ووضع النقاط على حروفه، من كل من رأى في نفسه من علماء المالكية بعده - تلاميذه وغيرهم- قدرة علمية عالية، وموهبة اجتهادية، فتعددت من ثم الشروح، والحواشي، والتقاييد والطرر من أجيال العلماء بعده حتى القرن المعاصر، وكان منها ما حاز القبول وقصب السبق على غيره، فاعترف له علماء المالكية بالاعتماد المطلق، ومنها ما اعترف له بالاعتماد المشروط كما سيأتي بيانه في تقويم كتب هذا الدور إن شاء الله.
(١) الأمير، محمد، الإكليل شرح مختصر خليل (مقدمة الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف (ص هـ).