السادس، ووضعها مع الأقوال المصطلح بين الفقهاء على الأخذ بها، تشهيراً وترجيحاً، واختياراً، على بساط وحد من النقد، والتحقيق، والمقارنة، والاستدلال، والكشف عما ارتبطت به تلك الأقوال من اعتبارات، باقية أو زائلة، وما ارتبط به اختيارها، وتشهيرها من اعتبار لظروف واقعية، أو إعمال لأصول نظرية، قد يكون وجه ذلك الاختيار قائماً، ومقبولاً، وقد يكون زائلاً، ومحل نظر، وذلك معنى تحقيق المناط، زيادة على ما امتاز به هذا المختصر من حسن سبك المسائل، ومتانة جمعها، وبراعة تفريعها وتقنينها، ومن مزية ضبط الحقائق الشرعية بالتعريف والتحديد، بما كان فيه ابن عرفة نسيج وحده، بحيث أن الصناعة التأليفية، والمنهج الدراسي قد بلغا في الفقه المالكي ذروتهما، ولا سيما في تعاريف الأبواب، والحقائق، وتمييز مواهي العقود، وهو ما أصبح فيه ابن عرفة عمدة على الإطلاق عند أهل المشارق والمغارب، فما من تأليف كلي، أو بحث فقهي، في القرن التاسع وما بعده، يأخذ في بسط باب من أبواب الفقه، إلى وهو يعتمد قبل كل شيء على إيراد تعريف ابن عرفة لتلك الحقيقة.
ولما كانت بحوث ابن عرفة وأنظاره الفقهية، تجري في الميدان النظري البحت، ميدان التدريس والتأليف، غير مطبقة على النوازل والأحداث بصورها الجزئية، فإنها لم تعتبر فقهاً، بل اعتبرت "تفقهاً"، ولكن لما جاء تلاميذه وأتباعه من أعلام الفتوى