الشريعة كلها طلب فعل أو ترك فلا شبهة أن الأوامر نصفها (١)
ولأن أبواب علم الأصول المتعلقة بمباحث الألفاظ أو بأحوال الرواة وطرق الاستدلال ترجع إلى تحقيق كيفية الأمر والنهي ومقادير ما تقتضيه فلا بدع إن كان باب الأوامر مقدماً على الجميع بعد المقدمات وملتو بباب النواهي كما صنع الإمام في المحصول وغير واحد. والأوامر على وزن فاعل جمع آمر بالمد والضم الذي هو جمع أمر كجمع كلب أو أكلب ثم على أكالب فقلبت الهمزة الثانية في الجمع مدة مجانسة لحركة ما قبلها لسكونها وقلبت همزة جمع الجمع واواً لانفتاحها إثر فتحة قال في الخلاصة.
ومدا ابدل ثاني الهمزتين من ... كلمة أن سكن كآثر واو تمن
أن يفتح اثر ضم أو فتح قلب ... واواً وياء إثر كثر ينقلب
وليس هو فواعل لأن فعلا لا يجمع على فواعل وأما قولهم نواهي في جمع نهي فهو من باب المقابلة اللفظية فإنهم كثيراً ما يخرجون الكلمة عن زنتها لمناظرتها بقرينتها كما بينه الإمام المازري في المعلم عند قوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس "مرحباً بالوفد غير خزايا ولا ندامى" لأن ندامى جمع ندمان وهو المجالس لشرب الخمر لا جمع نادم وعليه قول الشاعر:
هتاك اخبية ولاج ابوبة ... يخالط البر منه الجد واللينا
وإنما جمع باب أبواب فإن قلت: فهلا قيل إلا ناهي لأن الواو في أوامر
(١) أي شق منها هو أحد قسمين باعتبار من الاعتبارات وقد شاع في لسان العرب إطلاق النصف على أحد قسمين من شيء وإن لم يكن موازياً في المقدار وقد خرجوا عليه ما روي خذوا نصف دينكم عن هاته الحميراء أي أحكام النساء وما يروى الفرائض نصف العلم ولا أدري نصف العلم.