للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالنُّورَ} [الأنعام: ١] أي: أوجدهما، وفي قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣] أي: صيرناه، والفرق بينهما أنه إن تعدى إلى مفعول واحد، صار بمعنى الإيجاد، وإن تعدى إلى مفعولين صار بمعنى التصيير، ففي قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} تعدى إلى مفعولين، الكاف وخليفه، فتكون بمعنى التصيير، {خَلِيفَةً} أي: خالفاً لنا في تبليغ شرعنا، وليس المراد أنه خالفاً لله أنه يأتي بعده، لأن الله تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن، لكن خليفة لله في تبليغ شرعه وحكمه بين الناس.

وقوله: {فَاحْكُمْ} الفاء هذه للتفريع، أي: فبناء على كونك خليفة في الأرض احكم. قال المؤلف رحمه الله: [{خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} تدبر أمر الناس] كما يدبر الخلفاء أمر مَن جعلهم الله راعين له، {بِالْحَقِّ} أي: بالعدل، لأن الحق إن كان في مقابلة الخبر فهو بمعنى الصدق، وإن كان في مقابلة الحكم فهو بمعنى العدل، فإذا قيل: أخبرني محمد بكذا وهو حق يعني صدق، وإذا قلت: حكم فلان بكذا وهو حق يعني عدلاً. هنا يقول: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} أي: بالعدل، لأن الحق هنا وصف به الحكم فصار بمعنى العدل، وهذا يتضمن الحكم، وطريق الحكم، ولوازمه، فالحكم بأن تحكم بالشرع، وطريق الحق أن تعدل بين الخصمين في كل شيء، حتى إن العلماء يقولون: يجب على القاضي أن يعدل بين الخصمين في لفظه ولحظه وكلامه، وجلوسهما ودخولهما عليه، يعدل في كل شيء، ففي لفظه لا يغلظ القول لأحد الخصمين ويلين القول للآخر، وفي لحظه لا ينظر إلى

<<  <   >  >>