ذهب يحاول أن يستلب حقّ هذا الفقير الذي ليس عنده إلا نعجة واحدة، كأنه عليه الصلاة والسلام غضب وحكم للمدَّعي فقال:{لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} الجملة هنا مؤكدة بثلاث مؤكدات: القسم المقدر واللام وقد، لأن تقدير الكلام: والله لقد ظلمك.
وقوله:{ظَلَمَكَ} أصل الظلم في اللغة: النقص، ومنه قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا (٣٣)} [الكهف: ٣٣] ويطلق في الشرع على النقص والعدوان، يعني على نقص الحقّ والعدوان في طلب ما ليس للإنسان، فهو في الحقيقة العدوان سواء كان بنقص ما يجب أو بادعاء ما لا يستحق، فمن ضرب شخصاً أو أخذ ماله، قيل: إنه ظلمه، ومن جحد ما هو له وأنكر، قيل: إنه ظلمه. والظلم في قوله {لَقَدْ ظَلَمَكَ} من العدوان، ولهذا قال المؤلف: [{لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} ليضمها {إِلَى نِعَاجِهِ}] قدر المؤلف: ليضمها، من أجل أن يصح التعبير بـ "إلى" لأن السؤال لا يتعدى بـ "إلى" لكنه مضمن معنى الضم، أي: بسؤاله أن يضم نعجتك إلى نعاجه.
وجه الظلم في هذا ظاهر، لأن صاحب التسعة والتسعين قد أنعم الله عليه نعمة كبيرة، وصاحب الواحدة معدم فقير، وأيضاً فإن هذه الواحدة ملك له، فكيف يعتدي هذا ويقول: أعطنيها، ويلح عليه حتى يغلبه في الحجاج والخاصمة.
ثم قال داود:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} الشركاء {لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} عندنا كثير وقليل، كثير يبغي بعضهم على بعض، وقليل لا يبغي بعضهم على بعض، فالقليل