الذي لا يبغي بعضهم على بعض هم الذين وصفهم الله بقوله:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فالمؤمن العامل للصالحات لا يحدث منه البغي لما معه مِن الإيمان والعمل الصالح، ومَن فاته شيء مِن هذا الوصف حصل منه مِن البغي بمقدار ما فاته مِن الوصف، فمن نقص إيمانه حصل منه البغي، ومَن قلَّت أعماله الصالحة حصل منه البغي، لأن الأعمال الصالحة يجرّ بعضها بعضاً، فإذا عمل الإنسان عملاً صالحاً أتبعه بعمل آخر، لأن للطاعة لذة وسروراً في القلب، إذا قام الإنسان بها ازداد رغبة فيها، وإذا أعرض قلَّت أهمية الطاعات عنده وضعف قصده للطاعات وتجرّأ على المعاصي.
قوله:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} يعني الشركاء {لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} اللام في قوله: {لَيَبْغِي} للتوكيد، ويبغي: من البغي، وهو العدوان، وهذا هو الواقع: أن كثيراً من الشركاء يبغي بعضهم على بعض، إما بأخذ بعض من مال الشركة، أو بكتمان الربح لو ربحت، أو التغرير بالمال بحيث يتصرف فيه على وجه ليس فيه حظ للشركة، أو بادعاء أن المشترك ملك خاص له. وأنواع العدوان بين الشركاء كثيرة، ولكن كثيراً من الشركاء يبغي بعضهم على بعض، ولهذا إذا أصلح الشركاء النية، ونصح بعضهم بعضاً أفلحوا، وفي الحديث:"إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدُهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما"(١).
(١) أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب في الشركة (٣٣٨٣)، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٦٠ (٢٣٢٢) وصححه ووافقه الذهبي، وانظر "نيل الأوطار" ٣/ ٦٩٦ (٢٣٣٥) كتاب الشركة والمضاربة، و"تهذيب الكمال" ١٠/ ٤٠٠ - ٤٠١.