للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحيح أن القول الخارج من القلب يؤثر أكثر بكثير من القول الخارج من اللسان، وأضرب لذلك مثلاً: لو قام رجلان يعظان الناس، أحدهما يعظ من قلب، وتشعر أنه يتكلم من أعماق قلبه، ويظهر أثر قوله على صفحات وجهه، والآخر أبلغ منه وأشدّ ترصيعاً للكلام وتنميقاً له، لكن قوله يخرج من لسانه فقط، وقلبه على خلاف ذلك، أو على الأقل لا يؤمن بما يقول، فالأول أشدّ تأثيراً.

ولو قام عاميّ يتكلم بكلام عاميّ لكن من أعماق قلبه تأثر الناس به أكثر مما لو تكلم رجل فصيح اللسان قوي البيان، لكن قلبه خالٍ مما يقول، وهذا الشيء مشاهد، ولهذا قال الكافرون: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} يعني يقال ويراد حقيقة، فهم لقوة إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما يقول، كانوا يخافون من هذه الإرادة ويقولون: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (٦)} والله أعلم.

* * *

قال الله تبارك وتعالى حاكياً عن قريش ما كانوا يتواصون به من الصبر على آلهتهم، والثبات عليها، نقل عنهم من جملة كلامهم: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} ما سمعنا بهذا، والمشار إليه التوحيد، أي: أنه لا إله إلا الله {فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} الملة: هي الدين الذي يكون عليه الإنسان، كما قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: ١٢٣]، وتطلق الملة على الحقّ وعلى الباطل، فالكفار على ملةٍ والمسلمين على ملة، وفي كلام أهل الفقه في الفرائض:

<<  <   >  >>