للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} العجب يكون له سببان: السبب الأول: الإنكار، والسبب الثاني: الاستحسان، يعني يقال: عجب من كذا، أي: استحسنه، وعجب من كذا، أي: أنكره، فهو شبيه بأفعال الأضداد، لأن في اللغة العربية كلماتٍ تدل على المعنى وضده، تسمى عند علماء العربية: الأضداد في اللغة.

فالعجب تارة يكون استحساناً، وتارة يكون استنكاراً، فقول عائشة رضي الله عنها: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيامن في تنعله وترجله (١). المراد بالإعجاب هنا الاستحسان، وفي قوله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ} هذا عجب استنكار وردٍّ، وليس عجب رضاً واستحسان، وهذا نظير قوله تعالى في سورة قَ: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق: ٢].

قوله: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} أنْ مصدرية على تقدير مِنْ، أي عجبوا مِنْ أن جاءهم، وقلنا: إنها مصدرية؛ لأن ما بعدها يُحوَّل إلى مصدر، أي عجبوا من مجيء المنذر منهم، وقوله: {مُنْذِرٌ} المنذر: هو المخبر بالخبر للتخويف، ولهذا نقول: إن الإنذار خبر مقرون بتخويف، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان منذراً، وكان مبشراً، ولكن الكفار يليق بحالهم الإنذار، قال تعالى: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} [الكهف: ٢] والتبشير يكون للمؤمنين. وهنا قال: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} لأن هذا هو اللائق


(١) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل (١٦٨)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره (٢٦٨).

<<  <   >  >>