للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ذكر الله تعالى ما مَنَّ به عليه فقال: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ} أي: ذللناها له، والله سبحانه وتعالى يذل له كل شيء، فسخر الله الجبال، أي: ذللها حتى تسبح بتسبيح داود، وهي، أي: الجبال تسبح تسبيحًا مطلقًا، وهذا هو التسبيح العام، وتسبح تسبيحًا خاصاً، كما أمرت أن تسبح مع داود عليه الصلاة والسلام، وإلا فهي تسبح تسبيحًا عامًّا مطلقًا، كما قال الله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] أي: ما من شيء إلا يسبح بحمده {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: ٤٤].

أما التسبيح الذي سخر الله الجبال عليه مع داود فهو تسبيح خاصّ {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨)} والجبال جمع جبل وهو معروف، {مَعَهُ}، أي: مع داود قال المؤلف رحمه الله: [يسبحن بتسبيحه {بِالْعَشِيِّ}: وقت صلاة العشاء {وَالْإِشْرَاقِ}: وقت الضحى]. قوله: {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ} الباء هنا ظرفية بمعنى "في" لكن يظهر- والله أعلم- أنه إذا أريد بالظرفية استيعاب الوقت أُتي بدل "في" بالباء, لأن الباء تدل على الاستيعاب والإحاطة كما في قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ} [الحج: ٢٩] وكما قال: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] ولهذا لا بد من استيعاب البيت بالطواف، واستيعاب ما بين الصفا والمروة في السعي. إذًا الباء هنا للظرفية لكنها جاءت مكان "في" للدلالة على الاستيعاب، يعني كل العشي.

<<  <   >  >>