للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحد، ولهذا قال: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)} إن هذا: المشار إليه جَعْله الآلهة إلهاً واحداً {لَشَيْءٌ عُجَابٌ} أي: عجيب، لكن كلمة عجاب أبلغ من كلمة عجيب، لأنها تدل على المبالغة، أي: لا شيء يتعجب منه الإنسان عجباً عظيماً كثيراً، ولهذا عدلوا عن عجيب إلى عجاب {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)}.

قال الله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} لم يذكر مكان الانطلاق؛ ليعم كل مكان يجتمعون فيه ويذكرون مثل هذا الشيء، فكلما اجتمعوا في مكان وتذاكروا فيما بينهم ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من التوحيد، انطلقوا من هذا المكان وهم يتواصون بالباطل والصبر عليه، ولهذا قال: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ} والملأ هم الأشراف والكبراء والوجهاء، وهم الذين كانوا يقابلون الرسل بالردّ والرفض خوفاً على مكانتهم من أن تزول باتباع الرسل.

ولو تأملتم القرآن لوجدتم أن الذين يقومون في وجوه الرسل هم الملأ والأشراف. أما الضعفاء من النساء والأولاد والفقراء فهم الذين يكونون أول من ينقاد للرسل.

وأما قول المؤلف: [{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ} من مجلس اجتماعهم عند أبي طالب وسماعهم فيه من النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قولوا: لا إله إلا الله" (١)] فهذا تقييد لمطلق، وقد ذكرنا أن تفسير القرآن بما هو أخص تفسير قاصر؛ لأنه يقصر المعنى المطلق على هذا المعنى المقيد، أو


(١) انظر حديث ابن عباس في "مسند الإمام أحمد" ٣/ ٤٥٨ (٢٠٠٨) و ٥/ ٣٩٣ (٣٤١٩)، و"تفسير ابن كثير" ٧/ ٥٣ - ٥٤، سورة صَ، الآيات: ٤ - ٨.

<<  <   >  >>