وقوله:{إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ} يعني سبحانه وتعالى باعتبار الجملة؛ لأن بعض القوم آمنوا لكنهم كانوا قلة، والقلة مع الكثرة تنغمر فيها، فلهذا قال: إن كل من الأحزاب إلا كذب الرسل، ويحتمل أن يقال: إنه لا حاجة إلى هذا التقدير، أي: لا حاجة إلى أن نقول: إن هذا باعتبار الكثير من هؤلاء الأقوام, لأنه قال:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} فيكون قوله: {إِنْ كُلٌّ} أي: من المكذبين إلا كذب الرسل، وعلى هذا فلا حاجة إلى استثناء الذين آمنوا، وإلى القول بأن الآية جاءت على الأغلب.
قال الله تعالى:{إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ} الرسل الذين أرسلوا إليهم، وهنا نحتاج إلى الفرق بين الرسل والنبيين فنقول: أولًا: كل من ذكر في القرآن من النبيين فهو رسول، ودليل ذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}[غافر: ٧٨] وعلى هذا فيكون كل من ذكر في القرآن من الرسل؛ لأنهم قُصّوا علينا، وكل من قُصَّ علينا فهو رسول، أما على سبيل العموم فإن العلماء يقولون على المشهور عندهم: إن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه والدعوة إليه, لأنه رسول، والرسول ليس عليه إلا البلاغ {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}[المائدة: ٦٧] وأما النبي فهو الذي أوحي إليه بوحي لكن لم يأمر بالتبليغ، فيكون كالمجدد من هذه الأمة، فالمجدد من هذه الأمة صالح في نفسه لكنه يدعو بحسب استطاعته، فالنبي لم يكلف بالرسالة، وإنما أوحي إليه بما يُصلِحه ويَصْلَحُ به غيره لا على سبيل الإلزام بالرسالة.