للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧)} يعني سخَّرنا له الشياطين، والشياطين جمع شيطان، وهم عفاريت الجن. سخّر له {كُلَّ بَنَّاءٍ}، يبني الأب نية العجيبة، {وَغَوَّاصٍ (٣٧)} إن في البحر يستخرج اللؤلؤ.

{وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨)} أي: مشدودين في الأصفاد، وهي القيود، بجمع أيديهم إلى أعناقهم، سخَّر الله له الشياطين، أي: ذلّلهم له، يطيعونه، وينفذون أوامره، وقد صنفهم ورتبهم حسب قدراتهم واختصاصاتهم، منهم من يبني له البناء الشامخ العجيب، "و {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: ١٣].

والقسم الآخر: {وَغَوَّاصٍ (٣٧)} يغوصون في البحار، يأتون له بأنواع اللؤلؤ والمرجان والدُّرر وغيرها، يأتون بكلِّ ما يريد.

وفيهم قوم مردة من الشياطين يؤدّون النَّاس، وربما يتمردون عليه ويعصونه، هؤلاء يقرنهم في الأصفاد، ويشدّ أيديهَم إلى أعناقهم، ويحبسهم في الأصفاد.

وقد يقول قائل: هل هذا من التسخير؟ نقول: نعم، هذا من التسخير. أنّ الله تعالى جعل له سلطة عليهم، فالله تعالى جعلهم يعصونه ويتمردون عليه، ويؤذون من في مملكته من أجل أن يُنزل بهم هذا العذاب؛ حتَّى يتبيَّن بذلك كمال سلطانه على هؤلاء الشياطين، لأنَّه لا يُعرف تمام السلطان إلَّا بإنزال العقوبات على المتمردين.

أما إذا كان السلطان يداهن المتمرِّدين، فإن هذا يدلُّ على ضعف السلطان، وأنّه ليس عنده قدرة على تدبير مملكته. وجعل الله تعالى

<<  <   >  >>