للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الله تعالى: {تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ}: تجري أي: تسير، {بِأَمْرِهِ} أي: على وفق أمره. {رُخَاءً} أي: لينة في سيرها وهبوبها، لينة في طاعتها، لا تستعصي، مثلًا: إذا كانت الرِّيح جنوباً وهو يريد أن يذهب إلى الجنوب يأمرها أن تهب شمالاً، فتهب شمالاً، فتحمله حيث أراد.

قد يقول قائل: كيف يتم الجمعِ بين قوله: {رُخَاءً} وبين قوله في آيات أخرى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: ٨١]؟

والجواب: أنّ الجمع بينهما سهل، فهي رخاء؛ أي: ليس فيها زعزعة، وهي عاصفة؛ أي: سريعة، لأنَّ غُدوُّها شهر ورواحها شهر، يعني تمشي في الصباح، ولا يأتي زوال الشَّمس إلَّا وقد قطعت مسافة شهر. وبعد الزَّوال تمشي ولا يأتي الغروب، إلَّا وقد قطعت مسافة شهر، قال أهل العلم: إنَّه يضع على الأرض شيئًا كالبساط، ويجلس هو وحاشيته على البساط ثم يأمر الرِّيح فتحمله فيطير بين السماء والأرض، ومع ذلك هي رخاء، وكان المتبادر إلى الذهن أن مثل هذا الطيران يزعج الراكبين، على هذا البساط، ولكن الله تعالى جعلها رخاءً لينة، حتَّى كأنهم لا يطيرون، وليس فيها إزعاج، وهذا من آيات الله.

{حَيْثُ أَصَابَ} أي: حيث أراد؛ أي: الجهة التي يريد، وهذا لم يحصل لرسول غيره فيما نعلم، ولا لملك من الملوك يأمر الرِّيح فتسير به حيث أراد.

<<  <   >  >>