للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنسان يضيف الشيء إلى نفسه فإنه مدعٍ، وهذه قاعدة في الفقه، والمدعي عليه البينة. أتى إبليس ببينته فقال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ} ولهذا نقول الجملة هنا استئنافية لبيان وجه الخيرية {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦)}، سبحان الله، الذي يُخلَق من النار خير من الذي يُخلَق من الطين، مع أن النار التي خُلِق منها الشيطان ليست هي نارًا مضيئة إنما هي {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: ١٥] أي: النار التي تكون في أعلى اللهب بين الدخان وبين النار المضيئة، حمراء معتمة، إنه اللهب المختلط بسواد النار، هذا المخلوق من هذه النار أيكون خيرًا من المخلوق من الطين البارد النافع؟ سبحان الله، هذا قلب للحقائق، ولهذا نقول: هذه دعوى مستندة إلى بينة زائفة باطلة. الدعوى {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} والبينة {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦)} وهذه ليست بينة، هذه حجة عليه وليست حجة له، وقد ذكر أهل العلم في هذا المقام بيان أن ما خُلق منه آدم خير مما خُلق منه إبليس.

قال الله تعالى: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا} قيل: من الجنة، وقيل: من السماوات. والملائكة كلهم في الجنة في السماوات {فَاخْرُجْ مِنْهَا} أي: من السماوات هو أقرب للفظ. {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧)} رجيم، أي: مرجوم فهي فعيل بمعنى مفعول، ومعنى مرجوم، أي: مطرود مُبعَد، كما يبعد الإنسان إذا رجم، ومن المعلوم أن الرجل إذا أردنا أن نبعده كثيرًا صحنا به أولًا، فإذا هرب أتبعناه الحجارة فكان هذا أشد إبعادًا.

<<  <   >  >>