قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١)}. الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز أن يكون موجهاً لكل من يتأتى خطابه من البشر، وقوله:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا} أعاد الفعل {وَاذْكُرْ} مع أَنَّه في قصَّة سليمان لم يعده بل قال: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ}[ص: ٣٠] ولم يقل: (اذكر). قال بعض العلماء: لأنَّ سليمان بن داود فقصتهما متقاربة، وكأنما هي قصَّة نبي واحد، أما أيوب فهو منفصل عنهما، {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} والمراد بالعبد هنا المتذلل لطاعة الله، وهذه العبودية من عبودية أخص الخاصة، لأنَّها عبودية الرسالة.
وقوله:{أَيُّوبَ}: عطف بيان أو بدل من {عَبْدَنَا}.
{إِذْ نَادَى رَبَّهُ}: إذ: متعلقة بـ {وَاذْكُرْ} ويجوز أن تتعلق بمحذوف حالًا من عبد، يعني في حال نداء ربه، {إِذْ نَادَى رَبَّهُ} أي: دعاه بصوت مرتفع، لأنَّ النداء يكون بالصوت المرتفع، والمناجاة تكون بالصوت المنخفض، قال تعالى:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}[مريم: ٥٢]، {إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ} [أي: بأني {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ}] قدَّر المؤلف الباء هنا لأن همزة (أن) مفتوحة، والقاعدة: أن همزة (أن) تكون مكسورة إذا جاءت بعد القول، كما في قوله تعالى:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}[مريم: ٣٠] ولكنها هنا مفتوحة، فقدر المؤلف الباء، لأنَّه إذا قدرنا الباء صارت تُسْبَك هي وما بعدها بمصدر، وإذا سبكت (أن) وما بعدها بمصدر، صارت مفتوحة الهمزة، كما قال ابن مالك: