للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمرجَّح أنّ سليمان عليه الصَّلاة والسلام سأل مُلكاً عظيماً لا يكون لأحد من بعده، وبناءً عليه، فإنَّه يحصل الإشكال: لماذا تحجَّر هذا المُلك؟ قد نقول: إنّ القول الثَّاني أصح، وإنّ النَّبيَّ -صَلَّى الله عليه وسلم- ترك ذلك تورُّعاً، لأنَّه خاف أن يكون مراد سليمان زمناً، فترك هذا من باب التورُّع، ولكن هذا الجواب فيه أيضاً بعض الشيء، لأنّ النَّبيُّ -صَلَّى الله عليه وسلم- إذا فسر الآية بشيء أو أتى بشيء يقتضي تفسيرها على وجه ما، فإنَّه لا شكّ أولى من الاحتمال الآخر، وأن يكون المراد {مِنْ بَعْدِي} أي: مِن سواي، والله أعلم.

{إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥)}: هذه جملة تعلقها بما قبلها، أنَّها من باب التوسل. لما سأل الله مُلكاً توسَّل إلى الله بالاسم الذي يناسب ما دعا به: {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (أنت): يسمِّيها العلماء ضمير الفصل، وتفيد ثلاثة أشياء: التوكيد، والحصر، والتمييز أو الفصل بين الصفة والخبر.

وقوله: {الْوَهَّابُ}: صيغة مبالغة، وذلك لكثرة هِبات الله، وكثرة مَن يهبه الله، كل ما في الخلق من نعمة فهو من هبات الله، وما أكثر النِّعم على الإنسان، وما أكثر من أنعم الله عليه، ولهذا جاءت صورة المبالغة: {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}.

قال تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦)}.

الفاء: للسببية من وجه، وللتعقيب من وجه آخر؛ أي: بسبب دعائه، وفور دعائه {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ} يعني ذللناها له، والريح: الهواء.

<<  <   >  >>