ولهذا نقول: إن مغفرة الذنوب سترها عن الخلق، مع التجاوز عن عقوبتها، أي: أن المغفرة جامعة لمعنيين هما: الستر والتجاوز عن الذنب، أي: أنّ الله تعالى لا يُعاقب عليه.
{وَهَبْ لِي مُلْكًا} يعني أعطني ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي، أي: لا يصلح أن يكون لأحد من بعدي. يعني مُلكاً عظيماً، لا يفكِّر فيه أحدٌ من بعدي، فغفر الله له واستجاب له.
قال المؤلف: [{مِنْ بَعْدِي} أي: سواي نحو: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ}[الجاثية: ٢٣] أي: سوى الله]، وليس المراد من بعدي زمناً، بل لا ينبغي لأحد في زمني أو زمن بعد زمني، ولكن المراد بـ:{من بعدي}: سواي، واستشهد لذلك بقوله:{فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ}[الجاثية: ٢٣] ومعلوم أنَّه لا أحد بعد الله، فالله هو الآخر الذي ليس بعده شيء، ولكن {مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} أي: من سوى الله.
والقول الثَّاني: أنّ المراد {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} أي: ملكًا لا يغلبه عليه أحد، ويؤيد القول الأوَّل قوله عليه الصَّلاة والسلام حين تفلَّت عليه عفريت وهو يصلِّي، وأراد أن يمسكه وأن يربطه بسارية المسجد ليلعب به صبيان أهل المدينة، وقال:"لولا أنِّي ذكرتُ قول أحْي سليمان: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} لفعلت"(١)، وهذا يدلُّ على المراد {مِنْ بَعْدِي} زمناً.
(١) أخرجه البُخاريّ، كتاب الصَّلاة، باب الأسير أو الغريم يربط في سارية المسجد (٤٦١)، ومسلم، كتاب المساجد، باب جواز لعن الشَّيطان في أثناء الصَّلاة (٥٤١).