للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن إن كان صحيحاً فهو كقول اليهود: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [البقرة: ٨٠]، فكل أحد يدعي أنه على حق، وكل أحد يدعي أن الثواب له وأن الآخرة له، ولكن الشأن كل الشأن بمَن شهد الله له بذلك.

يقول: [{أَمْ} بمعنى همزة الإنكار] أم، يعني قوله: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} لكن يقدَّر قبلها، بل لأن أم هذه تفيد الإضراب.

{أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ} أي: نصيِّر المتقين كالفجار، أي: لا يمكن أن نجعل المتّقي كالفاجر.

والمتقي مَن اتخذ وقاية من عذاب الله، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، وهذا أجمعُ ما قيل في تعريف المتقي. والفجّار خلاف المتقين، يعني الذين فجروا وخرجوا عن طاعة الله إلى معصيته.

وهنا قابل المتقي بالفاجر، وفي سورة المطففين قابل الفاجر بالبَرِّ، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧)} [المطففين: ٧]، ثم قال: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨)} [المطففين: ١٨]. ومنه نأخذ أنّ التقوى والبِرَّ إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، يعني أن البِرَّ كلمة إن ذُكرت وحدها، فهي شاملة للتقوى، والتقوى إن ذُكرت وحدها، فهي شاملة "للبِرِّ، وإن جُمعتا جميعاً، البِرّ والتقوى، صار البِرّ فِعل الطاعة، والتقوى اجتناب المعصية، كقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] يعني على فعل الطاعات، وترك المعاصي.

<<  <   >  >>