فالحروب والقتال الذي وقع بينهم وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان عذاباً لهؤلاء المكذبين، وكان على يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، كما قال الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ١٤ - ١٥] ولا شك أن عذاب الأعداء على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أشفى لصدورهم مما لو كان العذاب من الله سبحانه وتعالى. وهذا شيء مشاهد. إذا كانت غلبة عدوك على يدك، كان ذلك أشفى لصدرك، وأحيا لنفسك وأقوى وأعز، مما لو أهلكه الله بعذاب من عنده. فلهذا كان هلاك المكذبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
قوله تعالى:{مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا}، الضمائر تعود على الألفاظ باعتبار لفظها، ويجوز أن تعود على الألفاظ باعتبار معناها. ألم تروا إلى قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}[الحجرات: ٩]، قال:{اقْتَتَلُوا} ولم يقل: اقتتلا، لو قال: اقتتلا لكان الضمير عائداً على اللفظ {طَائِفَتَانِ}، ولما قال:{اقْتَتَلُوا} صار عائداً على المعنى، لأن الطائفة جماعة. إذاً قوله:{فَنَادَوْا} أي: القرن، فأعاد الضمير عليها باعتبار المعنى.
وقوله:{فَنَادَوْا} يقول المؤلف: [حين نزول العذاب بهم] ولكن نادوا مَنْ؟ هل المعنى نادى بعضهم بعضاً؟ يستغيث بعضهم ببعض، أو المعنى أنهم نادوا الله، أي: دعوه أن يغيثهم، أو المعنى أنه حصل منهم الأمران؟