أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض" (١) وهذا صريح، وبه أيضًا نعرف أن ما يذكر في كتب التاريخ من أن إدريس جد لنوح فهو خطأ بلا شك، فإدريس فيما يظهر -والعلم عند الله- من أنبياء بني إسرائيل.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} نوح عليه الصلاة والسلام بعث إلى البشر حين اختلف الناس، وكان الناس في الأول على ملة واحدة، فاختلفوا، {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}[البقرة: ٢١٣] أرسله الله إلى قومه، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، وهو يدعوهم إلى الله، ويأتيهم بالآيات، ويتحداهم، ولكنهم -والعياذ بالله- كلما دعاهم ازدادوا عتوًا ونفورًا، قال تعالى:{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}[نوح: ٧] ولما أذن الله تعالى بهلاكهم دعا نوح ربه {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر: ١٠] فانتصر الله له {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: ١١ - ١٤] وأمره الله أن يحمل معه مَنْ آمن من قومه، قال الله تعالى:{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود: ٤٠].
فتصوروا أيها الدعاة كيف لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا وهو رسول، والناس لم يكثروا بعد، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل، حتى أحد نسله قد كفر به وهو ابنه الذي كان من المغرقين.
(١) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [هود: ٢٥] (٣٣٤٠)، ومسلم، كتاب الإيمان, باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (١٩٤) (٣٢٧).