بعض، أي: اعتدى عليه؛ لأن البغي هو العدوان، وطلبوا منه: أن يحكم بينهم لكنهم أضافوا كلمة ليست بجيدة قالوا: {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} ومثل هذا لا ينبغي أن يقال لنبي من الأنبياء، بل ولا ينبغي أن يقال لأي حَكَم يُتحاكم إليه، لأنك إذا تحاكمت إلى رجل مع خصمك فإنكما تعتقدان أن ما يقوله هو الحق. ليس الحَكَم في مقام تهمة حتى يقال: احكم بيننا بالحق، ولهذا انتقد الصحابة رضي الله عنهم في قصة العسيف (١) الذي زنى بامرأة من استأجره لما حضر أبو الولد الزاني وزوج المرأة، قال أحدهما: للرسول - صلى الله عليه وسلم -: أَنْشُدُك اللهَ إلا قضيتَ بيننا بكتاب الله، فناشد الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - أن يقضي بينهم بكتاب الله، قالوا: وقال الآخر، وكان أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله، ولم يناشد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن طلبَ المناشدة في هذا المقام خطأ. فأنت ما جئت إليه إلا وأنت تعلم أنه يحكم بكتاب الله، فلا حاجة لأن تناشده.
هؤلاء قالوا:{فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} وهو لن يحكم إلا به حتى بإقرارهم، لأنهما جعلاه حكماً {تُشْطِطْ} الشطط يعني النقص أو الجور، ولهذا قال المؤلف في تفسيره:[لا تحر] أي: لا تجر بالحكم فتميل مع أحدنا {وَاهْدِنَا} أرشدنا {إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} وسط الطريق الصواب] يعني إذا حكمت فاحكم بالحق، بالعدل، بدون جور {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} أي: دلنا إلى الصراط السواء، يعني إلى
(١) أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب هل يأمر الإمام رجلاً فيضرب الحد غائباً عنه (٦٨٥٩، ٦٨٦٠)، ومسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف بالزنى (١٦٩٧، ١٦٩٨).