للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنَّ توحيدَ الله وإفرادَه بالعبادة هو الغايةُ التي مِنْ أجلِها خُلِق الجنُ والإنس، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، وهو حقُّ الله على عبادِه، «حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» (١).

وما أجمل ما قال العلامةُ ابنُ القيم في بيان أهمية التوحيد وكلمتِه: «وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ»: كلمةٌ قامت بها الأرضُ والسماواتُ، وخُلِقتْ لأجلها جميعُ المخلوقات، وبها أرسلَ اللهُ تعالى رسلَه، وأنزلَ كتبَه، وشرعَ شرائِعَه، ولأجلها نُصِبَت الموازينُ، ووُضِعَت الدَّواوينُ، وقام سوقُ الجنَّةِ والنارِ، وبها انقسمت الخليقةُ إلى المؤمنينَ والكفار، والأبرارِ والفجارِ، فهي منشأُ الخلْقِ والأمرِ، والثوابِ والعقابِ، وهي الحقُ الذي خُلِقت له الخليقةُ، وعنها وعن حقوقها السؤالُ والحسابُ، وعليها يقعُ الثوابُ والعِقابُ، وعليها نُصِبت القبلةُ، وعليها أُسِّسَت الملةُ، ولأجلها جُرِّدت سيوفُ الجهاد، وهي حقُّ الله على جميعِ العِباد، فهي كلمةُ الإسلام، ومفتاحُ دار السلام، وعنها يُسأَلُ الأولون والآخرون، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يُسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ا. هـ. (٢)

ولأهمية التوحيد، وضرورة بيانه للناس، وقيامًا بواجب النُّصح للأمة؛ ألَّفَ أهلُ العلم الكتبَ، وكتبوا الرسائل، وصنَّفوا المصنفات، في بيان التوحيد والعقيدة الصحيحة، وكذا في بيان نقيضِه الشِّرك والتحذيرِ منه، ومِن وسائلِه ومظاهره.

ومِن تلك الكتابات المنتشرة، والرسائل المشتهرة في هذا الباب رسالةٌ موجزةٌ لطيفة، قليلةُ المبنى، غزيرةُ المعنى، حوَت علمًا كثيرًا على الرغم مِنْ قلة عباراتها، وسهولةِ ألفاظها. كاتبُها عالمٌ جليل، وشيخُ كبير، وإمامٌ عَلمٌ في الدعوة إلى


(١) رواه البخاري في كتاب اللباس، باب إرداف الرجل خلف الرجل، رقم (٥٩٦٧)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، رقم (٣٠)، من حديث معاذ بن جبل .
(٢) زاد المعاد (١/ ٣٦).

<<  <   >  >>