للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك، فيلتزمون أقوالَهم، ويصدرون عن آرائِهم وكلامِهم وفِعالِهم، بل ويُقدِّمونها على الكتابِ والسُّنة، فإذا قيل لأحدهم قال اللهُ، أو قال رسولُه، تراه متلكئا مُجادلا، أما إذا قيل له: قال الولي، أو صاحبُ القبر، لم يتردد في اتِّباع قوله، وتنفيذ كلامه، والله المستعان.

هـ- اتخاذُ الصُّور لهؤلاء المقبوريين، سواء أولياء أو صالحين، وتعليقُها، والتماسُ البركة منها. وهذا مِنْ أخطر وسائل الشرك، وأعظمها ضررًا، إذ لا يلبث أن يتحول هذا التعظيم لهؤلاء المقبورين بعد اتخاذ التصاوير لهم إلى عبادتهم، أو صرف شيء من العبادة لهم من دون الله ﷿. ولنعتبر بحال قومِ نوح ، وما حدث منهم، فما بدأ الشركُ يظهر فيهم، ويدخلُ عليهم إلا من هذا الباب.

ويدل لهذا ما رواه البخاريُّ عن عبد الله بن عبَّاس قال: «صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَأ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِي الْكَلَاعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ: أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ، وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ؛ عُبِدَتْ» (١).

٣ - ومما يؤكدُ أهمية دراسة التوحيد وتعليمِه، والتحذير مِنْ الشِّرك ووسائلِه ومظاهرِه: إخبارُ النبيِّ عن وقوعِه في هذه الأمة، وخاصةً في أخر الزمان، ولاسيما زمن غُربة الدِّين، ومِنْ ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة أنَّ النبي قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ (٢) نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ،


(١) رواه البخاري في كتاب التفسير، باب ﴿وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ﴾ [نوح: ٢٣]، رقم (٤٩٢٠).
(٢) الأليات: الأعجاز، جمع أليَة، والمراد: يضطربن من الطواف حول ذي الخلصة، أي يكفرون ويعودون لعبادة الأصنام وتعظيمها دوس: قبيلة باليمن. [شرح مسلم للنووي (١٨/ ٣٣)].

<<  <   >  >>