يا جبريل إن أجبرني ربي فسمعاً وطاعةً، وإن خيرني الحكمة، فرضي الله تعالى قوله وأعطاه الحكمة، وصرفت الرسالة إلى داود عليه السلام، وكان داود يقول: طوبى لك يا لقمان! أوتيت الحكمة وأوتي داود البلية! وروى أنه جالس داود عليه السلام، وداود يعمل الدروع، فأقام حولاً ينظر صنعة الدروع ولا يعرف ما تصلح له ولا يسأله عن ذلك، فلما تم حول لبس داود الدرع وقال: درع حصينة ليوم حرب! فقال لقمان: الصمت حكمة وقليل فاعله.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا بعث عاملاً اشترط عليه خمساً: لا يركب البراذين ولا يلبس الرقيق ولا يأكل النقى ولا يتخذ حاجباً، ولا يغلق باباً عن حوائج الناس وما يصلحهم ويقول له: إني لا أستعملك على أنشازهم ولا أعراضهم، وإنما أستعملك لتصلح بهم وتقضي بينهم بالعدل. وروى عباية بن رفاعة قال: بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن سعد بن أبي وقاص اتخذ قصراً وجعل عليه باباً وقال: انقطع الصوت فأرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه محمد بن مسلمة وكان عمر رضي الله عنه إذا أحب أن يؤتى بالأمر كما هو بعثه، فقال له: أنت سعد فأحرق عليه بابه! فقدم الكوفة فلما أتى الباب أخرج زنده واستورى ناراً ثم أحرق الباب، فأتى سعد الخبر ووصف له بصفته وعرفه، فخرج إليه سعد فقال له محمد: إنه قد بلغ أمير المؤمنين أنك قلت انقطع الصوت. فحلف سعد بالله تعالى ما قال ذلك فقال له محمد: نفعل الذي أمرنا به ونؤدي عنك ما تقول.
ثم ركب راحلته، فلما كان ببطن البرية أصابه من الخمص والجوع ما الله به أعلم، فأبصر غنماً فأرسل غلامه بعمامته فقال: اذهب فابتع شاة. فجاء الغلام بالشاة وهو يصلي فأراد ذبحها فأشار إليه أن يكف. فلما قضى صلاته قال: انظر فإن كنت مسميتها مملوكة فاردد الشاة وخذ العمامة، وإن كنت حرة فاردد الشاة فذهب فإذا هي مملوكة، فرد الشاة وأخذ العمامة فأخذ بخطام ناقته وجعل لا يمر ببقلة إلا خطفها حتى آواه الليل إلى قوم، فأتوه بخبز ولبن وقالوا: لو كان عندنا شيء خلاف هذا أتيناك به، قال: بسم الله كل حلال أذهب السغب خير من مأكل السوء، حتى قدم المدينة ونزل بأهله فابترد من الماء ثم راح، فلما أبصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: لولا حسن الظن بك ما رأينا أنك أديت. وذكروا أنه أسرع السيرة فقال قد فعلت وهو يعتذر إليك ويحلف بالله ما قال. فقال له عمر رضي الله عنه: هل آمر لك بشيء؟ قال: قد رأيت مكاناً إن تأمر لي فقال عمر رضي الله عنه: إن أرض العراق أرض رقيقة، وإن أهل المدينة يموتون حولي من الجوع، فخشيت أن آمر لك بشيء يكون لك بارده ولي الحار.
وروى زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يدعى هنيا على الحما فقال له: يا هنى اضمم جناحك عن المسلمين واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة وإياك ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرع ونخل، ورب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببينة فيقول: يا أمير المؤمنين أفتكارهم أنا لا أبالك في الماء؟ يأتيني ببينة فيقول: يا أمير المؤمنين فأنا تارك لك الماء والكلأ فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والفضة. وأيم الله إنهم ليرون أني ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عنهم من بلادهم شبراً! ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً ببناء يبني بحجارة وجص فقال: لمن هذا فذكروا له أنه لعامل من عماله على البحرين فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها! وقاسمه ماله. وكان يقول: لي على كل خائن أمينان الماء والطين. وكان أنوشروان يكتب في عهد العمال: سس خيار الناس بالمحبة،