عندنا غير هذا لآثرناك به! قال: فدفع إليه المائة دينار وقال: قد بعث بها إليك أمير المؤمنين. فدعا بفر وخلق لامرأته فصرها الخمسة والستة والسبعة فقسمها، فقدم حبيب على عمر فقال: يا أمير المؤمنين جئتك من عند أزهد الناس، وما عنده من الدنيا لا قليل ولا كثير. فبعث إليه عمر وقال: ما صنعت بالمائة يا عمير؟ فقال: لا تسألني عنها. قال: لتخبرني. قال: قسمتها بيني وبين إخواني من المهاجرين والأنصار. قال: فأمر له بوسقين من طعام وثوبين. قال: يا أمير المؤمنين أما الثوبان فأقبل، وأما الوسقان فلا حاجة لي بهما عند أهلي صاع من بر، هو كافيهم حتى أرجع إليهم! وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صر أربعمائة دينار وقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح. ثم تلكأ ساعة في البيت حتى ترى ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه وقال: يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك. قال: وصله الله ورحمه. ثم قال: يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، ووجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل وقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل وتلكأ بالبيت حتى تنظر ما يصنع فيها. فذهب بها إليه وقال: إن أمير المؤمنين يقول لك اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: رحمه الله ووصله. ثم قال: يا جارية اذهبي إلى فلان بكذا وإلى فلان بكذا. فقالت امرأة معاذ: ونحن والله مساكين فأعطنا ولم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها، فرجع الغلام فأخبر عمر فقال عمر: إنهم إخوة بعضهم من بعض.
[الباب الخمسون: في سيرة السلطان في تدوين الدواوين وفرض الأرزاق وسيرة العمال]
اعلموا أرشدكم الله أن أول من اتخذ الدواوين وأجرى الأعطية على ما روي عمر بن الخطاب، فكان يفضل أهل السابقة ثم الذين يلونهم حتى أجرى على العامة شيئاً واحداً ثلاثمائة وأربعمائة، وفرض للعيال مائة درهم في كل سنة. وكان أبو بكر يسوي بين الناس في العطاء ولا يفضل أهل السابقة ويقول: إنما عملوا لله فأجورهم على الله، وإنما هذا المال عرض حاضر يأكله البر والفاجر، وليس ثمناً لأعمالهم. وكان عمر يقول: لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه. ولم يقدر عمر الأرزاق إلا في ولاية عمار، فأجرى على عمار ستمائة درهم مع عطائه لولاته وكتابه ومؤذنه ومن كان يلي معه في كل شهر لما بعثه، وبعث معه عثمان بن حنيف وابن مسعود إلى العراق. وأجرى عليه في كل يوم نصف شاة ورأسها وجلدها وأكارعها ونصف جريب كل يوم. وأجرى على عثمان بن حنيف ربع شاة وخمسة دراهم كل يوم، مع عطائه وكان عطاؤه خمسة آلاف درهم. وأجرى على عبد الله بن مسعود مائة درهم في كل شهر وربع شاة في كل يوم وأجرى على شريح القاضي مائة درهم في كل شهر وعشرة أجربة.
وإنما فضل عماراً عليهم لأنه كان على الصلاة. قال مالك: وكان عمر لايفرض لصغير ورضيع وإذا فطم فرض له، فمر من الليل وصي يبكي يبغي الرضاع وأمه لا ترضعه، فقال لها عمر: أرضعيه! قالت: إذاً لا يفرض له عمر. قال: بلى هو يفرض له! ثم فرض عمر بعد ذلك للمولود مائة درهم في كل سنة؛ قال ابن حبيب: وفرض عمر للعيال كل عيل من ذكر وأنثى جريبين من بر في كل شهر، وقسطين من زيت وقسطاً من خل ومائة درهم في كل