رضي الله عنه: لا يصلح الوالي إلا بأربع خصال، إن نقصت واحدة لم يصلح له أمر: قوة على جمع المال من أبواب حلة، ووضعه في حقه، وشدة لا جبروت فيها، ولين لا وهن فيه.
[الباب الحادي والعشرون: في حاجة السلطان إلى العلم]
قال ابن المقفع: إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبك ذلك، فإن زوال الكرامة بزوالهما، ولكن يعجبك إن أكرموك لأدب أو علم أو دين. اعلم أرشدك الله أن أكثر الناس حاجة إلى النفقة أكثرهم عيالاً وأتباعاً وحشماً وأصحاباً، والخلق مستمدون من السلطان الخلائق السنية والطرائق العلية، مفتقرون إليه في الأحكام وقطع التشاجر وفصل الخصام، فهو أحوج خلق الله إلى معرفة العلوم وجمع الحكم، وشخص بلا علم كبلد بلا أهل. وأفضل ما في السلطان خصوصاً في الناس عموماً محبة العلم والتحلي به، والشوق إلى استماعه والتعظيم لحملته، فإن ذلك دليل على قوة الإنسانية فيه وبعده من البهيمية، ومضاهاته للعالم العلوي وهو من أأكد ما يتحبب به إلى الرعية، وإذا كان الملك خالياً من العلوم ركب هواه وأضر برعيته، كالدابة بلا رسن تمر في غير طريق، وقد تتلف ما تمر عليه.
واعلم أن زهرة الفضائل وحسن المناقب وبهاء المحاسن، وما ضاد ذلك من قبح المثالب وفحش الرذائل، كل ذلك يظهر عليك ويعظم منك، بقدر ما أوتيته من علو المنزلة وشرف الحظوة، فيكون حسنك أحسن كما يكون قبحك أقبح. وليس أحد من أهل الدرجات السنية والمراتب العلية، أحوج إلى مجالسة العلماء وصحبة الفقهاء، ودراسة كتب العلوم والحكم ومطالعة دواوين العلماء، ومجامع الفقهاء وسير الحكماء من السلطان.
وإنما كان كذلك من وجهين: أحدهما أنه قد نصب نفسه لممارسة أخلاق الناس وفصل خصوماتهم وتعاطي حكوماتهم، وكل ذلك يحتاج إلى علم بارع وفكر ثاقب، وبصيرة بالعلم قوية ودراسة طويلة، فكيف يكون حاله لو لم يعد لهذه الأمور عدتها ولم يقدم إليها أهبتها؟ والثاني أن من سواه من الناس لا يقدمون من يكثر عليهم ويعارضهم، ويذكر لهم مساويهم ويخالفهم في مذاهبهم، فيكون ذلك مما يعينهم على رياضة أنفسهم ويعلمهم مراشدهم، ومناظرة الأكفاء ومعاشرة النظراء تلقيح للعقول وتهذيب للنفوس وتدريب لمآخذ الأحكام، بخلاف السلطان فإن ارتفاع درجته يقطع عنه جميع ذلك، إذ لا يلقاه ولا يجالسه إلا معظم لقدره ومبجل لشأنه وساتر لمساويه ومادح له بما ليس فيه، وإنما جوابهم له صدق الأمير وعلى قدر الرتبة يكون علو السقطة، كما أن على قدر علو الحائط يكون صوت الوجبة.
[فصل:]
يا أيها الملك ليس أحد فوق أن يأمر بتقوى الله، ولا أحد دون أن يؤمر بتقوى الله، ولا أحد أجل قدراً من أن يقبل أمر الله، ولا أرفع خطراً من أن يتعلم حكم الله، ولا أعلى شأناً من أن يتصف بصفة من صفات الله. ومن صفات الله تعالى: العلم الذي وصف به نفسه وتمدح بسعته، فقال تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}(البقرة: ٢٥٥) . والكرسي هو العلم، والكراسي هم العلماء. وإذا كان العلم فضيلة فرغبة الملوك وذوي الأخطار والأقدار والأشراف والشيوخ فيه أولى، لأن الخطأ فيهم أقبح والابتداء بالفضيلة فضيلة. حكي أن إبراهيم بن المهدي دخل على المأمون وعنده جماعة يتكلمون في الفقه. فقال: يا عم ما عندك فيما يقول هؤلاء؟ فقال: يا أمير المؤمنين، شغلونا في الصغر