للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لو ظفرت ببيت المال لأخذت من حلاله وصنعت منه طيب الطعام، ثم دعوت الصالحين وأهل الفضل من الأبرار والأخيار، فإذا فرغوا قلت لهم: تعالوا ندعوا ربنا أن يوفق ملوكنا وسائر من يلي علينا وجعل إليه أمرنا.

ولما قدم معاوية المدينة دخل دار عثمان فقالت عائشة بنت عثمان: واأبتاه! فقال معاوية: يا ابنة أخي إن الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أماناً، وأظهرنا لهم حلماً تحت غضب فأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، ومع كل إنسان سيفه وهو يرى مكان انتصاره، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري تكون علينا أم لنا، ولأن تكوني ابنة عم أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من عرض المسلمين. وروي أن رجلاً من العقلاء غصبه بعض الولاة ضيعة له واعتدى عليه، فذهب إلى المنصور فقال له: أصلحك الله! أأذكر لك حاجتي أم أضرب لك قبلها مثلاً؟ فقال له: بل اضرب لي قبلها مثلاً. فقال: أصلحك الله إن الطفل الصغير إذا نابه أمر يكرهه فإنه يفر إلى أمه لنصرته، إذ لا يعرف غيرها ظناً منه أنه لا ناصر له فوقها، فإذا ترعرع واشتد فأوذي كان فراره وشكواه إلى أبيه، لعلمه أن أباه أقوى من أمه على نصرته، فإذا بلغ وصار رجلاً وحزبه أمر شكا إلى الوالي، لعلمه بأنه أقوى من أبيه فإن زاد عقله واشتدت شكيمته شكى إلى السلطان لعلمه بأنه أقوى ممن سواه، فإن لم ينصفه السلطان شكا إلى الله تعالى لعلمه بأنه أقوى من السلطان. وقد نزلت بي نازلة وليس فوقك أحد أقوى منك إلا الله تعالى، فإن أنصفتني وإلا رفعت أمرها إلى الله تعالى في الموسم، فإني متوجه إلى بيته وحرمه قال: بل ننصفك. وأمر أن يكتب إلى واليه برد ضيعته إليه.

[الباب الحادي والأربعون: في كما تكونوا يولى عليكم]

لم أزل أسمع الناس يقولون: أعمالكم عمالكم، كما تكونوا يولى عليكم، إلى أن ظفرت بهذا المعنى في القرآن؛ قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} (الأنعام: ١٢٩)

وكان يقال: ما أنكرت من زمانك فإنما أفسده عليك عملك. وقال عبد الملك بن مروان: ما أنصفتمونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرتهما، نسأل الله أن يعين كل على كل. وقال قتادة: قالت بنو إسرائيل: إلهنا أنت في السماء ونحن في الأرض فكيف نعرف رضاك من سخطك؟ فأوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائهم: إذا استعملت عليكم خياركم فقد رضيت عنكم، وإذا استعملت عليكم شراركم فقد سخطت عليكم. وقال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين ما بال أبي بكر وعمر انطاع الناس لهما، والدنيا عليهما أضيق من شبر فاتسعت عليهما ووليت أنت وعثمان الخلافة ولم ينطاعوا لكما، وقد اتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر؟ فقال: لأن رعية أبي بكر وعمر كانوا مثلي ومثل عثمان، ورعيتي أنا اليوم مثلك وشبهك! وكتب أخ لمحمد بن يوسف يشكو إليه جور العمال، فكتب إليه محمد بن يوسف: بلغني كتابك وتذكر ما أنتم فيه، وليس ينبغي لمن يعمل المعصية أن ينكر العقوبة، ولم أر ما أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب، والسلام؟

[الباب الثاني والأربعون في بيان الخصلة التي تصلح بها الرعية]

اعلم أن أدعى خصال السلطان إلى إصلاح الرعية وأقواها أثراً في تمسكهم بأديانهم وحفظهم لمرواتهم، إصلاح السلطان نفسه وتنزيهه عن سفساف الأخلاق وبعده عن مواضع الريب، وترفيعه نفسه عن استصحاب أهل البطالة والمجون واللعب واللهو والإعلان بالفسوق؛ وقد كانت صحبة محمد الأمين لذلك الرجل الخليع والماجن الرقيع أبي نؤاس الشاعر وصمة

<<  <   >  >>