للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: إنما أدعو بمعاريض وقد علم الله ذلك من نيتي. أما قولي أبقاك الله وتولاك فأريد به أن يبقيه الله تعالى لغرم الجزية ويتولاه بالعذاب، وأما قولي أقر الله عينك فأريد أن يقر حركتها بستر يعرض لها فلا تتحرك جفونها، وأما قولي يسرني والله ما يسرك فإن العافية تسرني كما تسره، وأما قولي جعل الله يومي قبل يومك فأريد يومك أن يجعل الله اليوم الذي أدخله فيه الجنة برحمته قبل اليوم الذي يدخل فيه النار على كفره.

[الباب السادس والخمسون: في الظلم وشؤمه وسوء عاقبته]

قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: ٤٤) وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة: ٤٥) وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (المائدة: ٤٧) وردت هذه الآيات الثلاث في بني إسرائيل فكل من لم يحكم بما جاء من عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كملت فيه هذه الأوصاف الثلاثة: الكفر والظلم والفسق، والكفر موقوف على خلاف العقيدة. وقال الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} (ابراهيم: ٤٢) . وقال أحمد بن حضرويه: لو أذن لي في الشفاعة ما بدأت إلا بالظالمين لأني نلت منه تعزية الله تعالى في قوله ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون. وقال: ولا أغتنم سفراً لا يكون فيه من لا يؤذيني ولا يظلمني شوقاً مني لتعزية الله تعالى للمظلومين. وقال ميمون بن مهران: كفى بهذه الآية وعيداً للظالم وتعزية للمظلوم.

وقال كعب الأحبار لأبي هريرة رضي الله عنه: في التوراة من يظلم يخرب بيته. قال أبو هريرة: وذلك في كتاب الله تعالى {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} (النمل: ٥٢) فالظلم أدعى شيء إلى سلب النعم وحلول النقم. وروى مسلم في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه سبحانه أنه قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار. إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكموجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، يرويه أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو إدريس إذا حدث به جثا على ركبتيه. وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الظلم ظلمات يوم القيامة. وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده لأخيه مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه، قبل أن لا يكون درهم ولا دينار إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر

مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. وروى سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين. قال أبو جعفر الطحاوي: معناه يقلب شجاعاً أقرع فيطوقه كما قال النبي

<<  <   >  >>