تصنع بها؟ قلت: أتقوت منها بشيء وأعود على أقارب لي، فما فضل عنهم فعلى فقراء المسلمين. قال: فلا بأس عليك ارجع إلى موضعك. فرجعت إلى موضعي من الصف فصعد فينا وصوب فلم تقع عينه إلا علي فدعاني فقال لي: كم سنك؟ قلت: خمسة وأربعون سنة. قال: الآن استحكمت.
ثم دعا بالطعام وأصحابي حديثو عهد بلين العيش وقد تجوعنا له، فأتى بخبز وأعضاء بعير فجعل أصحابي يعافون ذلك، فجعلت آكل وجعلت أنظر إليه يلحظني من بينهم، ثم سبقت مني كلمة تمنيت أني سحت في الأرض ولم أقلها فقلت: يا أمير المؤمنين إن الناس محتاجون إلى سلامك، فلو عمدت إلى طعام ألين من هذا فزجرني وقال: كيف قلت؟ فقلت: أقول يا أمير المؤمنين لو تنظر إلى قوتك من الطحين أن يخبز لك قبل إرادتك إياه بيوم ويطبخ لك اللحم كذا، فيؤتى بالخبز ليناً وباللحم غريضاً. فسكن غيظه ثم قال: ههنا زغت. قلت: نعم. قال: يا ربيع إنا لو شئنا لملأنا هذه الرحاب من صلائق وسنابك، يعني الخبز الحواري ولكني رأيت الله تعالى عاب على قوم شهواتهم فقال:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}(الاحقاف: ٢٠) ثم أمر أبا موسى بإقراري على عملي وأن يستبدل بأصحابي.
وقال قبيصة بن ذؤيب: دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمير بن سعد، وكان على أهل حمص، فقال: علام يحبك أهل الشام؟ فقال: إني أحبهم فأحبوني. قال: مالك اليوم؟ قلت: عبدي وفرسي وبغلي وخادمي! قال: فما تلبس في الشتاء؟ قال: عصابة أشد بها رأسي وجبة وكساء. قال: فما تلبس في الصيف؟ قال: قميصاً وريطة. قال: فأعطاني عمر ألف دينار وقال خذها وأنفق منها وأعط منها. قلت: لا أرب لي فيها وستجد من هو أحوج إليها مني! قال: خذها فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلي مالاً وهو دون ما أعطيتك، فقلت له كما قلت لي فقال: يا عمر ما آتاك الله من هذا المال عطاء من غير أن تعرض له أو تشرف له نفسك فاقبله فأخذه فانطلق به إلى امرأته فقال: أترين رجلاً له هذا من فقراء المهاجرين هو أم من الأغنياء؟ فقالت: بل من الأغنياء. فقسمها حتى بقيت منها صرت أظن فيها ثلاثين أو نحو ذلك فقالت له امرأته: أليس لي أنا حق؟ فأعطاها إياها.
قال رجاء بن حيوة: رأيت امرأة تسأل عن دار عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فأرشدناها إلى الدار فرأت داراً متهشمة فقالت لخياط هناك: استأذن لي على فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز. فقال: ادخلي وصوتي لها فإنها تأذن لك. فدخلت فلما أبصرت ما هنالك قالت: جئت أرم فقري من بيت الفقراء وإذا رجل يعمل في الطين وهناك امرأة فسألتها عن أمير المؤمنين فقالت: هو ذاك يعمل في الطين. فقالت له: يا أمير المؤمنين، مات زوجي وترك لي ثماني بنات! فبكى عمر بكاء شديداً ثم قال لها: ما تريدين؟ قالت: تفرض لهن. فقال: نفرض للكبرى ما اسمها؟ قالت: فلانة. فكتبها فقالت: الحمد لله. قال: وما اسم الثانية؟ قالت: فلانة. فكتبها فقالت: الحمد لله حتى متب السابعة، فقالت: جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين! فطرح القلم من يده وقال لها: لو أنك وليت الحمد أهله لأتممناهن لك مري السبع فليواسين الثامنة.
[الباب الحادي والخمسون: في أحكام أهل الذمة]
روى عبد الرحمن بن غنم قال: كتبنا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدائننا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلية ولا صومعة