وامزج للعامة الرغبة بالربة، وسس سفلة الناس بالإخافة وقال سليمان بن داود عليه السلام: كما يصلح الهمز للفرس والرسن للحمار، كذلك يصلح القضيب لظهر الجهال. وفي الأمثال القديمة من لم يصلح باللين أصلحه التليين، ومن يعتدل عدل. وقال هلال بن أساف: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم المقداد على سرية، فلما رجع قال له النبي صلى الله عليه: كيف رأيت الإمارة أبا معبد؟ قال: خرجت يا رسول الله ولا أرى أن لي فضلاً على أحد من القوم، فأرجعت إلا وكأنهم عبيد لي. قال: كذلك الإمارة أبا معبد، إلا من وقاه الله شرها قال: والذي بعثك بالحق نبياً لا أعمل على عمل أبداً.
وقيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما يمنعك أن تفشي العمل في الأفاضل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هم أجل من أن أدنسهم بالعمل. وقال إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه: كان عمر إذا قدم عليه الوفد سألهم عن حالهم وأسفارهم، وعن من يعرف من أهل البلاد وعن أميرهم، وهل يدخل عليه الضعيف وهل يعود المريض؟ فإن قالوا نعم حمد الله تعالى، وإن قالوا لا كتب إليه أن أقبل. ومثل السلطان إذا ولى العمال الظالمين مثل من يسترعى غنمه الذئاب، ومثل من يربط الكلب العقور ببابه. وإن العامة لتشتم الحجاج بن يوسف والخاصة تلوم عبد الملك بن مروان لأنه هو الذي استرعاه الرعية؟ وفيه قيل:
ومن يربط الكلب العقور ببابه
فعقر جميع الناس من رابط الكلب.
وكان العلاء بن أيوب لما ولى فارس من قبل المأمون يكتب عهد العامل، فيقرأه على من يحضره من أهل ذلك العمل ويقول: أنتم عيوني عليه فاستوفوه منه، ومن تظلم إلي منه فعلي إنصافه ونفقته جاثياً ورائحاً، ويأمر العامل أن يقرأ عهده على أهل عمله في كل جمعة، وأن يقول لهم هل استوفيتم؟
[الباب الرابع والخمسون: في هدايا العمال والرشا على الشفاعات]
روى أبو داود في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا والسر فيه أنك إذا قدرت على قضاء حاجته من عند السلطان الظالم أو السيد القاهر، صار ذلك واجباً عليك وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً يقال له ابن اللتبية، فلما جاء قال: يا رسول الله هذا لكم وهذا لي. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ما بال الرجل نستعمله على عمل من أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدي لنا، أفلا قعد أحدكم في بيت أبيه وأمه فينظر هل يهدى له؟ قال مالك: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشاطر العمال فيأخذ نصف أموالهم. وشاطر أبا هريرة رضي الله عنه وقال له: من أين لك هذا المال؟ فقال له أبو هريرة: دواب تناتجت وتجارات تداولت. فقال: إذن الشطر. وإنما شاطرهم حين ظهرت لهم أموال بعد الولاية لم تكن تعرف لهم. وروى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه اشترى هو وأخوه عبيد الله إبلاً، فبعثا بها إلى الحما فرعت فقال عمر: رعيتما في الحما فشاطرهما وشاطر، سعد بن أبي وقاص حين قدم من الكوفة كأنه رأى أن ما أصاب العامل من غير رشوة فإن كان حلالاً فلا يستحق ذلك لأن لمن له الإمرة قوة على أن ينال من الحلال ما لا يناله غيره، فجعله كالمضارب للمسلمين.
ولما رفع أبو موسى الأشعري رضي الله عنه مالاً من بيت المال لعبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالبصرة،