للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاشتريا به بضاعة فربحت بالمدينة، فأراد عمر أن يأخذ جميع الربح، وأخذ عمر رضي الله عنه النصف لبيت المال. وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عماله: أما بعد فإنما هلك من كان قبلكم بمنعهم الحق حتى يشتري، وبسطهم الباطل حتى يفتدي الملك بالدين يقوى، والدين بالملك يبقى. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا قدم عليه العمال يأمرهم أن يدخلوا نهاراً ولا يدخلوا ليلاً، كيلا يحجبوا شيئاً من الأموال.

وقال عتاب بن أسيد: والله ما أصبت في عملي الذي ولاني النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثوبين معدين كسوتهما مولاي كيسان. وروى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه استعمل أبا مسعود الأنصاري على السواد، فما رجع إلا وقد امتلأت داره فقال: ما هؤلاء قالوا: كذلك يصنعون بالرجل إذا استعمل قال: كل هؤلاء يريدون أن يأكلوا في أمانتي، ويروى في إمارتي، ورجع إلى علي رضي الله عنه وقال: لا حاجة لي في العمل. وقد ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عبد الرحمن بن سمرة ليستعمله فقال: يا رسول الله اختر لي، فقال: اقعد في بيتك وفي الأمثال: إن الهدية نعمي وتصم. وقال بعض الحكماء: الرشوة رشاء الحاجة. وأنشد بعضهم:

إذا أتت الهدية دار قوم

تطايرت الأمانة من كواها

ولبعضهم:

إن الهدية حلوة

كالسحر يجتلب القلوبا

تدني البعيد من الهوى

حتى تصيره قريبا

وترد مضطغن العداوة

بعد جفوته حبيبا

ومما قلته في الرشوة:

وأكرم من يدق الباب شخص

ثقيل الحمل مشغول اليدين

ينوء إذا مشى نفساً ونفخاً

وينطح بابه بالركبتين

وأكرم شافع يمشي إليها

أبو المنقوش فوق الصفحتين

ولبعضهم:

إذا كنت في حاجة مرسلاً

وأنت بإنجازها مغرم

فأرسل بأكمه جلابة

به صمم أغطش أبكم

ودع عنك كل رسول سوى

رسول يقال له الدراهم

وكتب عبد الملك إلى قاضيه الحارث بن عامر، وقد ارتشى بمكرمة:

إذا رشوة في باب قوم تقحمت

لتسكن فيه والأمانة فيه

سعت هرباً منه وولت كأنها

حليم تولى عن جواب سفيه

[الباب الخامس والخمسون: في معرفة حسن الخلق]

اعلموا أرشدكم الله تعالى أن هذا الباب مما غلط الخلق فيه وقبلوا القوس ركوة، فعمدوا إلى أخلاق العامة وخلائق الغوغاء والدناة، وما يجري بينهم إذا تلاقوا وتعاشروا من الإفراط في مدح بعضهم بعضاً، وتعاطيهم الكذب والتصنع والملق والمراآة، والمعاريض

<<  <   >  >>