وقد اتفقت العلماء والحكماء عليها فقالوا: أيها الملك إن قصرت قوتك عن عدوك فتخلق بالأخلاق الجميلة التي ليس لعدوك مثلها، فإنها أنكأ فيه من الغارة الشعواء. وقال معاوية لصعصعة بن صوحان: صف لي عمر بن الخطاب. فقال: كان عالماً برعيته عادلاً في أقضيته، عارياً من الكبر قبولاً للعذر، سهل الحجاب مصون الباب متحرياً للصواب، رفيقاً بالضعيف غير محاب للقوي ولا بجاف للقريب.
وبالتأني تسهل المطالب وبلين كنف المعاشرة تدوم المودة، وبخفض الجانب تأنس النفوس وبسعة خلق المرء يطيب عيشه، والاستهانة توجب التباعد وبكثرة الصمت تكون الهيبة، وبعدل المنطق يجبر الخلل وبالنصفة تكثر المواصلة، وبالإفضال يعظم القدر وبصالح الأخلاق تزكو الأعمال، وباحتمال المؤن يجب السودد وبالحلم على السفيه تكثر أنصارك عليه، وبالرفق والتؤدة يستحق اسم الكرم، وبترك ما لا يعنيك يتم لك الفضل. واعلم أن السياسة تكسو أهلها المحبة والفظاظة تخلع صاحبها ثوب القبول، ومن صغر الهمة الحسد للصديق على النعمة. والنظر في العواقب نجاة.
ومن لم يحلم ندم ومن صبر غنم، ومن سكت سلم ومن خاف حذر، ومن اعتبر أبصر ومن أبصر فهم، ومن فهم علم. ومن أطاع هواه ضل، ومع العجلة الندامة ومع التأني السلامة. زارع البر يحصد السرور، وصاحب العاقل مغبوط، وصديق الجاهل تعب. إذا جهلت فاسأل وإذا زللت فارجع، وإذا أسأت فاندم وإذا ندمت فاقلع، وإذا فضلت فاكتم وإذا منعت فاحمد، وإذا أعطيت فأجزل وإذا غضبت فاحلم. من بدأك ببره فقد شغلك بشكره. المروءات كلها تبع للعقل. الرأي تبع للتجربة. والعقل أصله التثبت وثمرته السلامة. والتوفيق أصله العقل وثمرته النجح، والتوفيق والاجتهاد زوجان، فلاجتهاد سبب والتوفيق ينجح بالاجتهاد. قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}(العنكبوت: ٦٩) ، والأعمال كلها تبع للمقدور.
واختار العلماء أربع كلمات من أربع كتب، من التوراة: من قنع شبع، ومن الزبور: من سكت سلم، ومن الإنجيل: من اعتزل نجا، ومن القرآن:{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ}(آل عمران: ١٠١) . الحلم شرف والصبر ظفر، والمعروف كنز والجهل سفه، والأيام دول والدهر غير، والمرء منسوب إلى فعله ومأخوذ بعمله. اصطناع المعروف يكسب الحمد. أكرموا الجليس يعمر ناديكم. أنصفوا من أنفسكم يوثق بكم. إياكم والأخلاق الدنئة فإنها تضيع الشرف وتهدم المجد. نهنهة الجاهل أهون من جريرته. رأس العشيرة يحمل أثقالها. وأجمعت