حكماء العرب والعجم على أربع كلمات قالوا: لا تحمل قلبك ما لا يطيق، ولا تعمل عملاً لا ينفعك، ولا تغتر بامرأة وإن طالت صحبتها، ولا تثق بمال وإن كثر.
[الباب الخامس عشر: في بيان ما يعز به السلطان وهي الطاعة]
قال ملك فارس الموبذان: موبذ ما شيء واحد يعز به السلطان؟ قال: الطاعة. قال: فما ملاك الطاعة؟ قال: التودد إلى الخاصة والعدل على العامة. قال: صدقت! الأمانة معقل الطاعة والطاعة زينة الملة. وكان يقال: طاعة السلطان على أربعة أوجه: الرغبة والرهبة والمحبة والديانة. ولما دخل سعد العشيرة على بعض ملوك حمير، قال له: يا سعد ما صلاح الملك؟ قال: معدلة شائعة وهيبة وازعة ورعية طائعة، فإن المعدلة حياة الأنام وفي الهيبة يضيء الظلام، وفي طاعة الرعية التألف والالتئام. طاعة الأئمة فرض على الرعية. طاعة السلطان مقرونة بطاعة الله. اتقوا الله بحقه والسلطان بطاعته. من إجلال الله إجلال السلطان عادلاً كان أو جائراً.
الطاعة تؤلف شمل الدين وتنظم أمور المسلمين. عصيان الأئمة يهدم أركان الملة. أولى الناس بطاعة السلطان ومناصحته أهل الدين والنعم والمروءات، إذ لا يقوم الدين إلا بالسلطان ولا تكون النعم والحرم محفوظة إلا به. الطاعة ملاك الدين. الطاعة معاقد السلامة وأرفع منازل السعادة، والطريقة المثلى والعروة الوثقى وقوام الأمة، وقيام السنة بطاعة الأئمة. الطاعة عصمة من كل فتنة ونجاة من كل شبهة. طاعة الأئمة عصمة لمن لجأ إليها وحرز لمن دخل فيها. ليس للرعية أن تعترض على الأئمة في تدبيرها وإن سولت لها أنفسها، بل عليها الانقياد وعلى الأئمة الاجتهاد. بالطاعة تقوم الحدود تقوم الحدود وتؤدى الفرائض، وتحقن الدماء وتأمن السبل. الإمامة عصمة للعباد وحياة للبلاد، أوجبها الله لمن خصه بفضلها وحمله أعباءها فقرنها بطاعته وطاعة رسوله، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: ٥٩) . طاعة الأئمة هدى لمن استضاء بنورها وموئل لمن حافظ عليها. الخارج عن الطاعة منقطع العصمة بريء من الذمة، مبدل بالكفر النعمة. طاعة الأئمة حبل الله المتين ودينه القويم، وجنته الواقية وكفايته العالية. إياكم والخروج من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تسروا غش الأئمة وعليكم بالإخلاص والنصيحة. ما مشى قوم إلى سلطان ليذلوه إلا أذلهم الله قبل أن يموتوا. الطاعة مقرونة بالمحبة. طاعة المحبة أفضل من طاعة الهيبة. للرعية على السلطان الاستصلاح لهم، والتعهد لأمورهم وحسن السيرة فيهم والعدل عليهم، والتعديل بينهم. وحق السلطان عليهم الطاعة والاستقامة والشكر والمحبة. بالرعية من الحاجة إلى الراعي ما ليس بالراعي من الحاجة إليهم لولا الرعاة لهلكت الرعية، ولولا المسيم لهلكت السوام.
[الباب السادس عشر: في ملاك أمور السلطان]
قال سليمان بن داود عليهما السلام: الرحمة والعدل يحرزان الملك٠ وقال زياد: ملاك السلطان ثلاثة أشياء: الشدة على المذنب ومجازاة المحسن وصدق القول. ولما غزا سابور ذو الأكتاف ملك الروم وأخرب بلاده، وقتل جنوده وأفنى بطارقته، قال له ملك الروم: إنك قد قتلت وأخربت فأخبرني ما الأمر الذي تثبت به حتى قويت على ما أرى، وبلغت في السياسة ما لم يبلغه ملك؟ فإن