وفي تقدير الجزية اختلاف بين العلماء فقيل: إنها مقدرة الأقل والأكثر على ما كتب به عمر رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف بالكوفة، فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهماً وعلى من دونه أربعة وعشرين درهماً، وعلى من دونه اثنا عشر درهماً، وذلك بمحضر من الصحابة رصي الله عنهم، ولم يخالفه أحد وكان الصرف اثني عشر درهماً بدينار. وهذا مذهب أبي حنيفة وابن حنبل رضي الله عنهما، وأحد قولي الشافعي رضي الله عنه وجعلوه كأنه حكم إمام فلا ينقض وقيل: إنها مردودة إلى الأمام في الزيادة والنقصان وهو الأقيس، وقيل: إنها مقدرة الأقل دون الأكثر. فيجوز للإمام أن يزيد على ما قدره عمر رضي الله عنه، ولا يجوز أن ينقص عنه.
وقال بعضهم: يجوز أن يساوي بينهم فيأخذ من كل واحد ديناراً وقال مالك رضي الله عنه: يؤخذ من الموسر أربعون درهماً، ومن الفقير دينار أو عشرة دراهم. ويتخرج على مذهب مالك رضي الله عنه في وجوب تقدير طرفيها قولان، بناء على العشرة المأخوذة منهم هل هو تقدير شرعي لا تجوز فيه الزيادة والنقصان، وعن مالك فيه روايتان. ولا جزية على النساء والمماليك والصبيان والمجانين.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن: سلام عليك. أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور من العمال واستسنت سنة سنها عليهم عمال السوء فأحرز عليهم أرضهم ولا تحمل خراباً على عامر ولا عامراً على خراب، ولا تأخذ من الخراب ما لا يطيقون ولا من العامر إلا وظيفة الخراج، ولا وزن سبعة ليس لها أس، ولا أجور الضرابين ولا أداة فضة ولا هدية النوروز والمهرجان، ولا ثمن المصحف ولا أجور البيوت، ولا دراهم النكاح ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض والواجب أن يؤخذ ما ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من كل جريب كرم عشرة دراهم، ومن كل جريب نخل ثمانية دراهم، ومن كل جريب رطبة أو شجر ستة دراهم، ومن كل جريب حنطة أربعة دراهم، ومن كل جريب شعير درهمان.
فصل:
وأما الكنائس فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بهدم كل كنيسة لم تكن قبل الإسلام، ومنع أن تحدث كنيسة وأمر أن لا يظهر علية خارجة من كنيسة ولا يظهر صليب خارج من كنية إلا كسر على رأس صاحبه، وكان عروة بن محمد يهدمها بصنعاء، وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين، وشدد في ذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فأمر أن لا يترك في دار الإسلام بيعة ولا كنيسة بحال قديمة ولا حديثة، وهكذا قال الحسن البصري قال: من السنة أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة، ويمنع أهل الذمة من بناء ما خرب، وقال الأصطخري: إن طينوا ظاهر الحائط منعوا، وإن طينوا باطنه الذي يليهم لم يمنعوا، ويمنعون أن يعلوا على المسلمين في البناء، وتجوز المساواة وقيل لا تجوز.
[الباب الثاني والخمسون: في بيان الصفات المعتبرة في الولاة]
اعلم أرشدك الله أن منزلة العمال من الوالي بمنزلة السلاح من المقاتل، فاجهد جهدك في ابتغاء صلاح العمال، فإذا فقد الوالي عمال الصدق كان كفقد المقاتل السلاح يوم الحرب. ويحتاج إلى طبقات الرجال كما يحتاج الحرب إلى أصناف العدة فنها الدرق للاستجنان والسيف للمناجزة، والرمح للمطاعنة والسهم للمباعدة والدرع للتحصين، ولكل منهم موضع ليس للآخر، والرجال للملك كالأداة للصانع لا يسد بعضها مسد بعض، كذلك طبقات الرجال للملك منهم للرأي والمشورة ومنهم لإدارة الحرب، ومنهم لجمع الأموال ومنهم لحفظها، ومنهم للحماية ومنهم للكتابة، ومنهم للجمال والفخر ومنهم للمباهاة والذكر،